مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 749

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 749

حدثنا روح، حدثنا حبيب بن شهاب العنبري، قال: سمعت أبي، يقول: أتيت ابن عباس أنا وصاحب لي، فلقينا أبا هريرة عند باب ابن عباس، فقال: من أنتما؟ فأخبرناه، فقال: انطلقا إلى ناس على تمر وماء، إنما يسيل كل واد بقدره. قال: قلنا: كثر خيرك، استأذن لنا على ابن عباس. قال: فاستأذن لنا، فسمعنا ابن عباس، يحدث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك، فقال: " ما في الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه، فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل باد في غنمه، يقري ضيفه، ويؤدي حقه "، قال: قلت: أقالها؟ قال: قالها. قال: قلت: أقالها؟ قال: قالها. قال: قلت: أقالها؟ قال: قالها. فكبرت الله، وحمدت الله، وشكرت (1)

التَّفاضلُ بينَ النَّاسِ يكونُ بقَدْرِ ما يَقومونَ به مِن أعمالٍ صالحةٍ، وتَرْكِ ما نُهوا عنه، وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ألَا أخبِرُكم بخيرِ النَّاسِ؟"، أي: أفضَلِهم عندَ اللهِ في الدُّنيا والآخرةِ، أو المرادُ الإخبارُ عن صِنْفٍ مِن أصنافِ الأخيارِ المتعدِّدةِ، وليس بأفضَلِهم على الإطلاقِ: "رجلٌ مُمسِكٌ بعِنانِ فرَسِه في سَبيلِ اللهِ"، وفي روايةٍ: "آخِذٌ برَأسِ فرَسِه"، وهذا كِنايةٌ عَن المجاهِدِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "ألَا أُخبِرُكم بالَّذي يَتْلوه؟"، أي: الَّذي يَتْلو المُجاهِدَ في الخيريَّةِ والأفضليَّةِ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ: "رجلٌ مُعتزِلٌ في غنيمةٍ"، أي: مُعتزِلٌ للنَّاسِ ومعَه قليلٌ من غنَمِه، تَكْفيه حاجتُه ولا تَشغَلُه عمَّا هو فيه، وفي روايةٍ: "رجلٌ معتزِلٌ في شِعْبٍ يُقيمُ الصَّلاةَ، ويؤتي الزَّكاةَ، ويَعتزِلُ شُرورَ النَّاسِ"، "يؤدِّي حقَّ اللهِ فيها"، أي: يُخرِجُ زَكاةَ غنَمِه وصدقَتَها.

ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ألَا أُخبِرُكم بشَرِّ النَّاسِ؟"، أي: شرِّهم عندَ اللهِ في الدُّنيا والآخِرةِ، أو المرادُ الإخبارُ بصِنْفٍ مِن الأشرارِ، وليس المقصودُ أنَّه أكثَرُهم شرًّا؛ وذلك لوُجودِ مِن هو أكثَرُ شرًّا مِنه: "رجلٌ يُسأَلُ باللهِ"، أي: يَطلُبُ فقيرٌ منه حاجةً، ويُقسِمُ عليه باللهِ أن يُعطِيَه، "ولا يُعطِي به"، أي: ولا يَقْضي لهذا الفقيرِ حاجتَه، ويمتَنِعُ عنها، وقيل: ويَحتمِلُ المعنى أن يَكونَ الرَّجلُ هو الَّذي يَسأَلُ غيرَه باللهِ، فيُعْطى، فإنْ سأَله غيرُه باللهِ فلا يُعطي

قيل: إنَّ الأظهَرَ في المرادِ بالنَّاسِ في هذا الحديثِ هم المؤمِنون؛ إذ إنَّ الغازِيَ ليس بأفضلِ النَّاسِ، وكذلك فالكافرُ والقاتلُ شَرٌّ مِن المذكورِ، وقيل: إنَّ ما ذُكِر مِن أعمالٍ إنَّما هي للحثِّ عليها
وفي الحديثِ: بيانُ فضْلِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفضلُ عُزلةِ النَّاسِ خاصَّةً عندَ الفِتَنِ
وفيه: التَّحذيرُ مِن تركِ عَطاءِ مَن يَسأَلُ باللهِ