مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 765
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء، أنه سمع ابن عباس، يقول: " إن استطعتم أن لا يغدو أحدكم يوم الفطر حتى يطعم، فليفعل " قال: " فلم أدع أن آكل قبل أن أغدو منذ سمعت ذلك من ابن عباس، فآكل من طرف الصريقة الأكلة، أو أشرب اللبن، أو الماء، قلت: فعلام يؤول هذا؟ قال: سمعه أظن عن النبي صلى الله عليه وسلم "، قال: " كانوا لا يخرجون حتى يمتد الضحاء، فيقولون: نطعم لئلا نعجل عن صلاتنا " (1)
الحيَّاتُ والثَّعابينُ مِنَ الحَيواناتِ الضَّاريةِ الَّتي يَتعدَّى أذاها للإنسانِ، وقدْ تُوجَدُ في الخَلَواتِ والصَّحاري، كما تُوجَدُ في البُيوتِ المأْهولةِ، وقدْ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَيفيَّةَ التَّعاملِ معَ هذه الأنْواعِ لتَجنُّبِ شَرِّها
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَأمُرُ بقتْلِ الحيَّاتِ؛ وهي نَوعٌ مِنَ الثَّعابينِ، ويقولُ: «مَن ترَكَهنَّ خَشْيةً، أو مَخافةَ تَأثيرٍ؛ فليسَ مِنَّا»؛ أي: مَن خافَ انتِقامَهنَّ، أو أنْ تَنالَه بأذًى إذا أقدَمَ على قَتْلِها، فليسَ على هَدْيِنا وطَريقَتِنا، وهذا حَثٌّ على عدَمِ الخَوفِ مِنَ الحيَّاتِ، وعدَمِ تَرْكِ قَتْلِهنَّ؛ لأنَّها مُؤْذِيةٌ وقاتلةٌ وسامَّةٌ، فكأنَّها عدُوٌّ، فإنْ لمْ تَقتُلْها قتَلَتْكَ، هذا معَ مُراعاةِ مَعاني بَقيَّةِ الرِّواياتِ في هذا الأمْرِ؛ حيثُ ورَدَ النَّهيُ الأخيرُ عن قَتْلِ حيَّاتِ البُيوتِ-وتُسمَّى بالعَوامِرِ- إلَّا بعْدَ استِئذانِها ثَلاثَ مرَّاتٍ؛ فإذا خرَجْنَ مِنَ البُيوتِ فلا سَبيلَ علَيْها، ولكنْ إنْ أبَتِ الخُروجَ فيجِبُ قَتْلُها
ثُمَّ أخبَرَ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ «الجَانَّ» -وهو نَوعٌ مِنَ الحيَّاتِ والثَّعابينِ- «مَسيخُ الجِنِّ»؛أي: لمَسْخٍ وقَعَ في الجِنِّ، «كما مُسِختِ القِرَدةُ مِن بَني إسْرائيلَ»؛ بمعنى: أنَّ الجِنَّ قدْ وقَعَ فيهِمْ مَسْخٌ، ووقَعَ المَسْخُ في جِيلٍ مِن أجيالِ بَني إسْرائيلَ
والمَسْخُ هو تَحويلُ الصُّورةِ وتَبْديلُها إلى أقبَحَ مِنها، وهو نَوعٌ مِن أنْواعِ العِقابِ الَّذي يُعاقِبُ اللهُ عزَّ وجَلَّ به خلْقَه في الدُّنْيا