مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 764
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار، (1) وللرجل أن يجعل خشبة في حائط جاره، والطريق الميتاء سبعة (2) أذرع " (3)
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أمور الدين كافة، وأوضحها لنا، ووضع لنا أسس الحياة الصحيحة التي يسودها العدل، ويتحمل فيها كل فرد تبعات عمله دون ضرر لغيره
وفي هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، أي: ليس لأحد أن يضر صاحبه بوجه، والفرق بين الضرر والضرار: أن الضرر يحصل بدون قصد، وأنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه، والضرار يكون بقصد، ويرضى به إذا تحقق. وقيل: الضرر ابتداء الفعل، والضرار الجزاء عليه، والأول إلحاق مفسدة بالغير مطلقا، والثاني إلحاقها بهما على وجه المقابلة والاعتداء بالمثل وقيل: هما بمعنى واحد، وتكريرهما للتأكيد، وقيل غير ذلك، وعلى كل فهو نهي عن الإضرار بالغير
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره"، وهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم للإرشاد إلى التعاون بين الجيران والمعاملة بالتسامح في بعض الأمور، ومنها ألا يمنع جار جاره من وضع الخشب الذي ينتفع به فوق جداره، وإن كان الجدار ليس من حق واضع الخشبة ولا له فيه شركة، ولكن من حق الجيران أن ينفع بعضهم بعضا، دون إلحاق ضرر بأي من الطرفين. "وإذا اختلفتم في الطريق"، أي: إذا اختلف الناس أو الجيران أو الـملاك في حدود وسعة الطريق، "فاجعلوه سبعة أذرع"، أي: بأن يجعل عرضه سبعة أذرع، وقد أوضح الشراح أن هذا يختص أكثر ما يختص بالطرق الجديدة والمبتدأة إذا تنازع فيها أصحاب الأرض؛ بأن يترك صاحب الأرض سبعة أذرع للطريق؛ لمنفعة الناس العامة، ثم يحجر هو على ما بقي من أرضه، أو يبني عليها ما شاء، أما الطرق القديمة فإنها على ما اتفق عليه أهلها، مع مراعاة حقوق الطريق وحقوق الجوار
وفي الحديث: النهي عن الضرر والإضرار، وخصوصا مع الجار
وفيه: بيان اهتمام الشرع بتنظيم العمارة والطرقات والمرافق العامة