مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 230

مسند احمد

مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 230

 حدثنا يحيى، عن مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب منها، حرمها في الآخرة لم يسقها»

مِن أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ؛ فهو يَزيدُ بالطَّاعةِ ويَنقُصُ بالمَعصيةِ

 والنُّصوصُ في ذلك كَثيرةٌ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وقد ذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كثيرًا مِنَ الأعمالِ التي تَزيدُ في الإيمانِ وبَيَّن كذلك الأعمالَ التي تَنقُصُ الإيمانَ، ومِنها الزِّنا والسَّرِقةُ وشُربُ الخَمرِ، فقال: لا يَزني الزَّاني حينَ يَزني وهو مُؤمِنٌ، أي: حالَ كَونِه كامِلًا في إيمانِه، ولا يَسرِقُ السَّارِقُ حينَ يَسرِقُ وهو مُؤمِنٌ، ولا يَشرَبُ الخَمرَ حينَ يَشرَبُها وهو مُؤمِنٌ، أي: أنَّه لا يَفعَلُ هذه المَعاصيَ وهو كامِلُ الإيمانِ، وهذا مِنَ الألفاظِ التي تُطلَقُ على نَفيِ الشَّيءِ ويُرادُ نَفيُ كَمالِه ومُختارُه، وليس مَعناه أنَّه يَكونُ بهذه المَعاصي كافِرًا، كما قال ذلك الخَوارِجُ؛ وذلك لوُرودِ النُّصوصِ الأُخرى على أنَّ مَن قال لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وإن زَنى وإن سَرَقَ. فأصحابُ هذه المَعاصي عِندَهم أصلُ الإيمانِ الذي به يُحكَمُ عليهم بالإسلامِ والإيمانِ، ولَكِنَّهم بارتِكابِهم هذه المَعاصيَ انتَفى عنهمُ الإيمانُ الواجِبُ والكامِلُ، ولَم يَخرُجوا بذلك مِنَ الإيمانِ، بَل هم مُؤمِنونَ ناقِصو الإيمانِ، إن تابوا سَقَطَت عُقوبَتُهم، وإن ماتوا مُصِرِّينَ على الكَبائِرِ كانوا تَحتَ مَشيئةِ اللهِ تعالى؛ فإن شاءَ اللهُ تعالى عَفا عنهم وأدخَلَهمُ الجَنَّةَ أوَّلًا، وإن شاءَ عَذَّبَهم ثُمَّ أدخَلَهمُ الجَنَّةَ. وهناكَ أقوالٌ أُخرى في مَعنى الحَديثِ مَحَلُّها كُتُبُ الحَديثِ. ثُمَّ قال: مَن شَرِب الخَمرَ في الدُّنيا ولَم يَتُبْ مِنها حُرِمَها في الآخِرةِ، أي: أنَّه يُحرَمُ شُربَها في الجَنَّةِ، وإن دَخلَها فإنَّها مِن فاخِرِ شَرابِ الجَنَّةِ فيُمنَعُها هذا العاصي بشُربِها في الدُّنيا، قيلَ: إنَّه يَنسى شَهوتَها؛ لأنَّ الجَنَّةَ فيها كُلُّ ما يُشتَهى، وقيل: لا يَشتَهيها وإن ذَكَرَها، ويَكونُ هذا نَقصَ نَعيمٍ في حَقِّه تَمييزًا بَينَه وبَين تارِك شُربِها
وفي الحَديثِ أنَّ المَعاصيَ تَنقُصُ الإيمانَ
وفيه زَوالُ اسمِ الإيمانِ عنِ العاصي
وفيه خُطورةُ جَريمةِ الزِّنا
وفيه خُطورةُ جَريمةِ السَّرِقةِ
وفيه خُطورةُ شُربِ الخَمرِ
وفيه الوعيدُ الشَّديدُ لمَن شَرِب الخَمرَ
وفيه العُقوبةُ مِن جِنسِ الفِعلِ
وفيه أنَّ التَّوبةَ تُكَفِّرُ المَعاصيَ