مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما137
مسند احمد
حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن المسلم المسدد (1) ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله، بحسن خلقه، وكرم ضريبته "
حُسْنُ الخُلُقِ يرْقى بصاحِبِهِ إلى أعْلى المراتِبِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، كما يُبيِّن هذا الحديثُ، وفيه يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ المُسْلمَ المُسدَّدَ"، والمرادُ بالمسدِّد المُقتصِدُ والمُعْتدِلُ في أُمورِه، أو هو المُوفَّقُ الذي وفَّقه ربُّه لحُسْنِ الخُلُقِ، وطاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وطاعةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "لَيُدْرِكُ"، أي: يبْلُغُ، "دَرجةَ الصَّوَّامِ القَوَّامِ بآياتِ اللهِ"، أي: مَن يُداوِمُ على صوْمِ النَّهارِ وقِيامِ اللَّيْلِ بالقُرْآنِ، وذلك "بحُسْنِ خُلُقِهِ وكَرَمِ ضَريبَتِهِ"، أي: أنَّ طبيعتَهُ كريمةٌ وسمحةٌ وسهلةٌ؛ والمعنى: أنَّ الذي يُحسِّن خُلُقَهُ مع الناسِ مع اختِلافِ طَبائعِهم يُجاهِدُ نفوسًا كثيرةً؛ وذلك بكَفِّ الأذَى عنهم، وبَذْلِ العَطاءِ لهم، وطلاقةِ الوَجهِ مع الصَّبرِ على آذاهم، والصائمُ القائمُ يُجاهِدُ نفسَه؛ لذلكَ يُدركُ المؤمنُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرجةَ -أي: منزلةَ وثوابَ- الصائمِ المتطوِّع بالصَّومِ القائِمِ باللَّيْلِ؛ فالصَّائمُ القائمُ عِندَه من التَّعبِ والمشقَّةِ لقيامِه الليلَ بصَلاةِ التطوُّعِ، بعدَ صِيامِه للنَّهار؛ فكونُ صاحِب حُسْنِ الخُلقِ في دَرجةِ هؤلاء إنَّما هو لمُجاهدتِه الناسَ بحُسنِ المعاملةِ فيهم، وإنْ قَسَوْا عليه؛ فيكون الصبرُ مِفتاحَه فيهم.
وفي هذا الحديثِ: الحَضُّ على العَملِ بمكارمِ الأخلاقِ وأحسنِها.