‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما138

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما138

حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد، عن جندب بن عبد الله، أنه سمع سفيان بن عوف، يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاصي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: " طوبى للغرباء "، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: " أناس صالحون، في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم "
قال: وكنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما آخر حين طلعت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيأتي أناس من أمتي يوم القيامة، نورهم كضوء الشمس "، قلنا: من أولئك يا رسول الله؟ فقال: " فقراء المهاجرين، والذين تتقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض "

بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الإسلامَ بَدَأ غَريبًا؛ حيثُ خَرَجَ وَسَطَ الجَهلِ، ولكِنَّ المُسلِمينَ الأوائِلَ آمَنوا بصِدقٍ، فجاهَدوا؛ دِفاعًا عنِ الإسلامِ، فكان لهمُ الجَزاءُ الأوْفى عِندَ اللهِ.

وفي هذا الحَديثِ يَروي عَبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال "ذاتَ يَومٍ ونحن عِندَه: طُوبَى لِلغُرَباءِ" أي: الجَنَّةُ لِأولئك المُسلِمينَ الذين كانوا قَليلينَ في أوَّلِ الإسلامِ، وسيَقِلُّونَ في آخِرِه، وإنَّما خَصَّهم لِصَبرِهم على أذَى الكُفَّارِ وأهلِ الابتِداعِ، "فقيلَ"، أي: سألَه بعضُ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنه: "مَنِ الغُرَباءُ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: أُناسٌ صالِحونَ في أُناسِ سُوءٍ كَثيرٍ"؛ فهم يَكونونَ على الدِّينِ الحَقِّ، والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، ويَسيرونَ على ذلك بَعدَ أنْ أفسَدَ الناسُ السُّنَنَ والشَّرائِعَ وبَدَّلوها، "مَن يَعصيهم أكثَرُ مِمَّن يُطيعُهم"؛ وذلك لِقلَّةِ أهلِ الإيمانِ والمُتمَسِّكينَ بالدِّينِ. قال عَبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه: "وكُنَّا عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومًا آخَرَ حين طَلَعتِ الشَّمسُ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سيأتي أُناسٌ مِن أُمَّتي يَومَ القِيامةِ" فيَكونُ مِن أحوالِهم وصِفاتِهم "نُورُهم كضَوءِ الشَّمسِ" مِن شِدَّةِ إشراقةِ وُجوهِهم، وهو مِن مُكافأةِ اللهِ لهم يَومَ القِيامةِ، "قُلْنا: مَن أولئك يا رَسولَ اللهِ؟ فقال: فُقراءُ المُهاجِرينَ" وهمُ الذين هاجَروا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَبلَ أنْ تُفتَحَ مَكةُ؛ "والذين تُتَّقى بهمُ المَكارِهُ" فيَكونونَ حِمايةً لِلنَّاسِ في الشَّدائِدِ والمَصائِبِ، "يَموتُ أحَدُهم وحاجَتُه في صَدرِه" فهم يُدافِعونَ عنِ الإسلامِ، ولكِنَّهم يَموتونَ دونَ أنْ تُقضى حَوائِجُهم وما تَرغَبُ فيه وتَشتَهيه أنفُسُهم، "يُحشَرونَ مِن أقطارِ الأرضِ"؛ لِأنَّهم كانوا في جِهادٍ دائِمٍ في كُلِّ أنحاءِ الأرضِ، فماتوا في كُلِّ جِهاتِها، فيُحشَرُ كُلُّ واحِدٍ منهم مِن مَكانِه الذي ماتَ ودُفِنَ فيه.

 وفي الحَديثِ: دَعوى وحَضٌّ على التَّمسُّكِ بالدِّينِ في الزَّمانِ الذي يَقِلُّ فيه الإيمانُ.

وفيه: مَنقَبةٌ ظاهرةٌ لِفُقَراءِ المُهاجِرينَ الأوَّلينَ.