‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما159

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما159

حدثنا يحيى، حدثنا عبيد الله بن الأخنس، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: أتى أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي؟ قال: " أنت ومالك لوالدك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئا " (1)

للوالدَينِ حقٌّ عظيمٌ على أولادِهما، وينبغي مَعرفةُ حُقوقِهما، والقِيامُ بها مِن أعظمِ الأعمالِ الصَّالحةِ بَعدَ التَّوحيدِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ رضِيَ اللهُ عنهما: "أتى أعرابيٌّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: إنَّ أبي يُرِيدُ أنْ يَجتاحَ مالي"، أي: يُرِيدُ أنْ يأْخُذَه بدونِ إذْني، ويُريدُ أنْ يَستأصِلَه ويأتِيَ عليه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أنت ومالُكَ لوالدِكَ؛ إنَّ أطيَبَ ما أكلْتُم مِن كَسْبِكم، وإنَّ أموالَ أولادِكم مِن كَسْبِكم، فكُلوهُ هَنيئًا"، والمعنى: أنَّ يَدَ الوالِدِ مَبسوطةٌ في مالِ ولَدِه يأْخُذُ منه ما شاء. وقيل: معنى هذا: أنَّ الرَّجُلَ مُشارِكٌ لِولدِه في مالِه، فلهُ الأكْلُ منه، سواءٌ أذِنَ الولَدُ أو لم يأْذَنْ، وله أيضًا أنْ يَتصرَّفَ فيه كما يَتصرَّفُ في مالِه ما دام مُحتاجًا، ولم يكُنْ ذلك على وَجْهِ السَّرَفِ والسَّفَهِ، ويمكِنُ أنْ يكونَ ما ذكَرَهُ السَّائلُ مِن اجتياحِ والدِه مالَه إنَّما هو بسبَبِ النَّفقةِ عليه، وأنَّ ما يَحتاجُ إليه منها كثيرٌ، لا يَسَعُه مالُ الولَدِ إلَّا بأنْ يَجتاحَ أصْلَه، فلم يَعْذِرْه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولم يُرَخِّصْ له في تَرْكِ النَّفقةِ، وقال له: "أنت ومالُك لوالدِكَ"، على معنى: أنَّه إذا احتاجَ إلى مالِكَ أخَذَ منك قَدْرَ الحاجةِ كما يأْخُذُ مِن مالِ نفْسِه، فأمَّا أنْ يكونَ أرادَ به إباحةَ مالِه حتَّى يَجتاحَه ويأْتِيَ عليه، فلا.
وفي الحديثِ: حثُّ الأبناءِ على إكرامِ الوَالدَينِ وإعطائِهما مِن أموالِهم ما يَحتاجانِ إليه.