مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما269
مسند احمد
حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل، قال: أخبرني عامر، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو، وعنده القوم، فتخطى إليه فمنعوه، فقال: دعوه، فأتى حتى جلس عنده، فقال: أخبرني بشيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " (1)
أَرْشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه إلى التَّحَلِّي بالآدابِ والأخْلاقِ الإسلامِيَّةِ، الَّتي تَزيدُ الأُلفةَ والمَوَدَّةَ بينَ المُسلِمينَ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "تَدْرون مَن المُسلِمُ؟" أي: مَن المُسلِمُ الحقُّ، "قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ"، وهذا حُسنُ أدَبٍ مِن الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم في تَسليمِ الأمْرِ للهِ عزَّ وجَلَّ ولرسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: "مَن سَلِمَ المُسلِمون مِن لِسانِه ويَدِه"، أي: إنَّ المُسلِمَ الكامِلَ الجامعَ لخِصالِ الإسلامِ: هو مَن لم يُؤْذِ مُسلِمًا بقولٍ ولا فِعْلٍ، وخصَّ اللِّسانَ واليدَ؛ لكَثرةِ أخطائِهما وأضرارِهما؛ فإنَّ مُعظمَ الشُّرورِ تَصدُرُ عنهما؛ فاللِّسانُ يَكذِبُ، ويَغتابُ، ويسُبُّ، ويَشهَدُ بالزُّورِ، واليدُ تَضرِبُ، وتَقتُلُ، وتَسرِقُ، إلى غيرِ ذلك، وقدَّمَ اللِّسانَ؛ لأنَّ الإيذاءَ به أكثرُ وأسهَلُ، وأشدُّ نِكايةً، ويَعُمُّ الأحياءَ والأمواتَ جميعًا، "قال: تَدْرون مَن المُؤمِنُ؟ قالوا: اللهُ يعني ورسولُه أعلَمُ، قال: مَن أمِنَهُ المُؤمِنون على أنفُسِهم وأمْوالِهم"، أي: المُؤمنُ الحقُّ والَّذي تحقَّقَت فيه صِفَةُ الإيمانِ، وظهَرَت عليه علاماتُه، هو يأْمَنُه النَّاسُ، ولا يَخافَونه على أنفُسِهم وأرواحِهم وأموالِهم؛ فلا يَقتُلُ، ولا يَسرِقُ، ولا يَنهَبُ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ المُرادُ بذلك الإشارةَ إلى الحثِّ على حُسْنِ مُعامَلةِ العبْدِ مع رَبِّه؛ لأنَّه إذا أحسَنَ مُعامَلةَ إخوانِه، فأوْلى أنْ يُحسِنَ مُعامَلةَ رَبِّه، مِن بابِ التَّنبيهِ بالأَدْنَى على الأعْلَى، "والمُهاجِرُ مَن هجَرَ السُّوءَ فاجْتنَبَهُ"، أي: المُهاجِرُ الكاملُ هو مَن هجَرَ ما نهى اللهُ عنه؛ فالمُهاجِرُ الممدوحُ: هو الَّذي جمَعَ إلى هِجرانِ وطَنِه وعَشيرتِه هِجرانَ ما حرَّمَ اللهُ تعالى عليه؛ فمُجرَّدُ هِجرةِ بَلدِ الشِّركِ مع الإصرارِ على المعاصي ليست بهِجرةٍ تامَّةٍ كاملةٍ؛ فالمُهاجِرُ بحَقٍّ هو الَّذي لم يَقِفْ عندَ الهجرةِ الظَّاهرةِ؛ مِن تركِ دارِ الحربِ إلى دارِ الأمْنِ، بل هُو مَن هجَرَ كلَّ ما نَهَى اللهُ عنه، وأبعَدَهُ عن حياتِه وأخلاقِه.