مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 589
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفح جبل، وهو قائم يصلي، وهم نيام، قال: إذ مرت به حية، فاستيقظنا، وهو يقول: «منعها منكم الذي منعكم منها» وأنزلت عليه: {والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا} [المرسلات: 2] ، فأخذتها وهي رطبة بفيه، أو فوه رطب بها
بيَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَحِلُّ للمُحرِمِ فِعلُه، وما يَحرُمُ عليه، ونَقَلَ ذلك الصَّحابةُ الكرامُ رَضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غارٍ بمِنًى، وهذا إشارةٌ إلى إحرامِهِم، ومِنًى وادٍ قُربَ الحَرَمِ المَكِّيِّ، يَنزِلُه الحُجَّاجُ لِيَبيتوا فيه يومَ التَّرويةِ وأيَّامَ التَّشريقِ، ويَرْموا فيه الجِمارَ، وأثناءَ وُجودِه معه نزَلَ الوحْيُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسُورةِ (المُرسَلاتِ)، فتلقَّاها عبدُ اللهِ بنُ مسعود رَضيَ اللهُ عنه مِن فَمِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُباشرةً، ولا يَزالُ فمُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَطْبًا لم يَجِفَّ رِيقُه بها -وهذا كِنايةٌ عن سُرعةِ أخْذِهم على الفورِ حِين سَمِعوه وهو يَقرَأُ، مِن غيرِ تَأخيرٍ ولا تَوانٍ- فاجأَتْهم حَيَّةٌ، فوَثَبَتْ نَحْوَهم، فحَثَّهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قتْلِها، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ مُحرِمًا بقتْلِ حيَّةٍ بمِنًى»؛ فهو تأكيدٌ لتلبُّسِهم بالإحرامِ، فأسْرَعوا إليها -استجابةً لأمْرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لِيَقتُلوها، فلمَّا لم يَتمكَّنُوا منها واستطاعَتِ الهرَبَ، قال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وُقِيَتْ شَرَّكم، ووُقِيتُم شَرَّها، أي: إنَّ اللهَ سلَّمها منكم كما سلَّمكم منها، ولم يَلحَقْها ضرَرُكم، كما لم يلحَقْكم ضررُها
وفي هذا تَلطُّفُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الخِطابِ، وإزالةُ ما في النُّفوسِ؛ لأنَّه لا شكَّ أنَّ الصَّحابةَ لَمَّا ابتدَرُوها وفاتَتْهم، صار في نُفوسِهم شَيءٌ: كيف لم نُدرِكْها فنَفعَلَ ما أمَرَنا به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟! فقال لهم: إنَّها وُقِيَتْ شَرَّكم كما وُقِيتُم شَرَّها، فهذه بتلك
وفي الحَديثِ: بَيانُ وقْتِ ومَوضعِ نُزولِ سُورةِ (المُرْسلاتِ)
وفيه: مَشروعيَّةُ دفْعِ المحرِمِ للأذى عن نفْسِه أو مَن حَولَه
وفيه: مَشروعيَّةُ قتْلِ الحَيَّةِ في الحرَمِ