‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما332

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما332

حدثنا إسماعيل بن إبراهيم يعني ابن علية، أخبرنا أبو حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث في الآيات: أن أولها خروج الدجال، قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات، فقال عبد الله: لم يقل مروان شيئا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك (4) حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها " ثم قال عبد الله - وكان يقرأ الكتب -: " وأظن أولاها خروجا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت في الرجوع، فأذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله (1) أن تطلع من مغربها، فعلت كما كانت تفعل: أتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت (2) في الرجوع، فلم يرد عليها شيء (3) ، ثم تستأذن في الرجوع، فلا يرد عليها شيء، ثم تستأذن فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه إن (4) أذن لها في الرجوع، لم تدرك المشرق، قالت: رب، ما أبعد المشرق، من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه طوق، استأذنت في الرجوع، فيقال (5) لها: من مكانك فاطلعي، فطلعت على الناس من مغربها "، ثم تلا عبد الله هذه الآية: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} (6) [الأنعام: 158] (7)

مِن أركانِ الإيمانِ: الإيمانُ باليَومِ الآخِرِ، وذلك يَتَضَمَّنُ الإيمانَ بما يَكونُ في ذلك اليَومِ مِنَ الأهوالِ والأحوالِ التي فيها تتَغَيَّرُ مَعالمُ هذا الكَونِ، وإنَّ مِنَ الأُمورِ المُتَعَلِّقةِ باليَومِ الآخِرِ الإيمانَ بأشراطِ السَّاعةِ، أي: عَلاماتِ يَومِ القيامةِ؛ فإنَّ السَّاعةَ لا تَقومُ حَتَّى تَظهَرَ عَلاماتٌ بَيَّنَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن تلك العَلاماتِ طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: إنَّ أوَّلَ الآياتِ، أي: العَلاماتِ، مِن عَلاماتِ السَّاعةِ خُروجًا طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، أي: تَطلُعُ الشَّمسُ مِنَ المَغرِبِ، وخُروجُ الدَّابَّةِ ضُحًى، وهيَ دابَّةُ الأرضِ التي قال اللهُ عنها: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]، والمَعنى: أنَّ الشَّمسَ تَطلُعُ مِنَ المَغرِبِ، ثُمَّ تَلحَقُها الدَّابَّةُ خُروجًا وقتَ الضُّحى، أي: وقتَ ارتِفاعِ النَّهارِ، فأيَّتُهما ما كانت قَبلَ صاحِبَتِها فالأُخرى على إثرِها، أي: على عَقِبِها في الخُروجِ، ثُمَّ قال عَبدُ اللَّهِ بنُ عَمرٍو -وكان يَقرَأُ الكُتُبَ- وهذا بَيانٌ مِنَ الرَّاوي بأنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ عَمرٍو كان يَقرَأُ الكُتُبَ السَّابقةَ يَطَّلعُ عليها، فأخبَرَ بقَولِه: وأظُنُّ أولاها خُروجًا طُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، أي: يَتَوقَّعُ أنَّ طُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها هيَ الأولى لِما كان يَجِدُ في الكُتُبِ السَّابقةِ؛ وذلك أنَّها، أي: الشَّمسَ، كُلَّما غَرَبَت أتَت تَحتَ العَرشِ فسَجَدَت، أي: تَذهَبُ كُلَّ يَومٍ عِندَ الغُروبِ وتَسجُدُ للهِ تَحتَ العَرشِ، واستَأذَنَت في الرُّجوعِ فأذِنَ لها في الرُّجوعِ، أي: تَستَأذِنُ اللَّهَ أن تَطلُعَ مِنَ المَشرِقِ كَعادَتِها يَوميًّا، حتَّى إذا بَدا للَّهِ، أي: أرادَ اللهُ أن تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها، فعَلَت كَما كانت تَفعَلُ؛ أتَت تَحتَ العَرشِ فسَجَدَت فاستَأذَنَت في الرُّجوعِ، فلم يُرَدَّ عليها شَيءٌ، أي: تَستَأذِنُ اللَّهَ أن يَأذَنَ لها فلا يَرُدُّ عليها، ثُمَّ تَستَأذِنُ في الرُّجوعِ فلا يُرَدُّ عليها شَيءٌ، ثُمَّ تَستَأذِنُ فلا يُرَدُّ عليها شَيءٌ، حتَّى إذا ذَهَبَ مِنَ اللَّيلِ ما شاءَ اللهُ أن يَذهَبَ، أي: حتَّى يَنقَضيَ جُزءٌ طَويلٌ مِنَ اللَّيلِ، وعَرَفتِ الشَّمسُ أنَّه إن أذِنَ لها في الرُّجوعِ لم تُدرِكِ المَشرِقَ، أي: لأنَّه قد مَضى وقتٌ طَويلٌ لا تَستَطيعُ به أن تُدرِكَ وقتَ طُلوعِها مِنَ المَشرِقِ، قالتِ الشَّمسُ: رَبِّ ما أبعَدَ المَشرِقَ! مَن لي بالنَّاسِ؟! أي: مَن يَضمَنُ لي قَضاءَ حاجاتِ النَّاسِ التي كُنتُ أقضيها، حتَّى إذا صارَ الأُفُقُ كَأنَّه طَوقٌ. كَأنَّ المُرادَ أنَّ النَّاسَ يَنظُرونَ إلى الأُفُقِ على عادَتِهم، فيَجِدونَه كالطَّوقِ حَولَ السَّماءِ ما فيه شُعاعٌ يَظهَرُ قُربَ طُلوعِ الشَّمسِ، استَأذَنَتِ الشَّمسُ في الرُّجوعِ، أي: تُعاوِدُ الاستِئذانَ مَرَّةً أُخرى، فيُقالُ لها: مِن مَكانِك فاطلُعي! أي: ابقَي حَيثُ أنتِ حتَّى تَطلُعي مِن هذا المَكانِ الذي أنتِ فيه، فطَلعَت على النَّاسِ مِن مَغرِبِها! ثُمَّ تَلا عَبد اللَّهِ هذه الآيةَ: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا } [الأنعام: 158].
وفي الحَديثِ أنَّ مِن عَلاماتِ السَّاعةِ طُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها وخُروجَ الدَّابَّةِ.
وفيه بَيانُ أنَّ طُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها أوَّلُ عَلاماتِ السَّاعةِ.
وفيه تَتابُعُ أشراطِ السَّاعةِ بَعضِها إثرَ بَعضٍ.
وفيه بَيانُ وقتِ خُروجِ الدَّابَّةِ.
وفيه بَيانُ كَمالِ قُدرةِ اللهِ في جَعلِ الشَّمسِ تَطلُعُ مِن مَغرِبِها.
وفيه أنَّ الشَّمسَ خَلقٌ مِن خَلقِ اللهِ تَفعَلُ ما يَأمُرُها اللهُ به.
وفيه سُجودُ الشَّمسِ تَحتَ العَرشِ.
وفيه ثُبوتُ كَلامِ الشَّمسِ للهِ تعالى.
وفيه بَيانُ تَفسيرِ الآيةِ وأنَّ المَقصودَ بها طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها.