مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما461
مسند احمد
حدثنا حسن يعني الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} [يونس: 64] ، قال: " الرؤيا الصالحة، يبشرها المؤمن، هي جزء من تسعة وأربعين جزءا من النبوة، فمن (4) رأى ذلك فليخبر بها، ومن رأى سوى ذلك، فإنما هو من الشيطان ليحزنه، فلينفث عن يساره ثلاثا، وليسكت، ولا يخبر بها أحدا "
الرؤْيا الصالحةُ لها شأْنٌ عظيمٌ؛ فهي من أجزاءِ النُّبوَّةِ، وجعَلها اللهُ تعالى بُشْرى لِصاحبِها، أمَّا الحُلْمُ فهو من تخويفِ الشيطانِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "رؤْيا الصالحِ"، أي: ما يراه العبدُ الصالحُ في منامِه، "جزءٌ من سِتَّةٍ وأربعين جُزءًا من النُّبوَّةِ"، أي: إنَّ النُّبوَّةَ قد قُسِّمَت سِتًّا وأربعينَ جُزءًا، وجُعِلَتِ الرُّؤى جُزءًا من تلك الأجزاءِ. وورَد في روايات أخرى اختلاف في العددِ؛ فورد أنَّها جزءٌ مِن ستَّةٍ وخَمسينَ أو سِتِّينَ أو سَبعينَ؛ فقيل: اختَلفتِ الأعدادُ بحسَبِ الوقتِ الذي حدَّثَ فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك.
وقيل: إنَّها تَختلِفُ باختِلافِ مَراتبِ الأشخاصِ في الكَمالِ والنَّقصِ وما بينَهما، وكُلَّما ازدادَ المؤمنُ صِدقًا اقترَبَ مِن صِفةِ الصِّدقِ في الرُّؤيا، والرُّؤيا الصالحةُ جُزءٌ مِن شَمائلِ الأنبياءِ والمرسَلينَ وفَضائِلِهم؛ فمَن اقْتَدَى بِهم فيها فَقدِ اتَّصفَ بما يُوصَف به الأنبياءُ، وكانتْ كَرامةً له مِن اللهِ تعالى؛ لأنَّ النُّبوَّةَ ليستْ مُكتَسَبةً، "وقال: الرُّؤْيا الصالحةُ"، أي: الرُّؤيا التي فيها بِشارةٌ بخيرٍ، أو تَحذيرٌ من شَرٍّ، أو تَنبيهٌ على أمرٍ، "من اللهِ"، أي: مِن فَضْلِه ورحمتِه، أو مِن إنذارِه وتبشيرِه، أو من تنبيهِهِ وإرشادِهِ، حيثُ يُطْلِعُ اللهُ النَّائمَ فيها على ما يجهلُهُ، "والحُلْمُ" وهو ما يراهُ النائمُ من مَكروهٍ، "من الشيطانِ"؛ لأنه يُوَسوِسُ للنَّاسِ بما يُحْزِنُهم في مَنامِهم أو يَتلاعَبُ بهم، "فإذا حَلَمَ أحدُكُم حُلمًا يخافُهُ"، أي: رأى ما يَسُوءُه في رُؤيتِه، "فلْيبصُقْ عن يَسارِه ثلاثَ مراتٍ"، أي: يتفُلُ عن يَسارِه، استِقذارًا للشيطان واحتِقارًا له، كما يَفعلُ الإنسانُ عندَ الشيءِ القَذِرِ يراهُ، "ولْيستعِذْ باللهِ من شرِّه"، أي: من شرِّ الشيطان؛ لأنَّه هو الذي يُخَيِّلُ إليه فيها، "فإنَّه لا يضرُّه"؛ لأنَّ ما ذُكر من التَّعوُّذِ وغيرِه سببٌ للسَّلامةِ من ذلك، ولا يُخبِرُ بها أحدًا كما جاء في صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إذا حَلَم أحدُكم فلا يُخبِرْ أحدًا بتَلعُّبِ الشَّيطانِ به في المنامِ".