مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 11
مستند احمد
حدثنا محمد بن فضيل، عن خصيف، حدثنا أبو عبيدة، عن عبد الله، قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقاموا صفين، فقام صف خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وصف مستقبل العدو، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصف الذين يلونه ركعة، ثم قاموا فذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، وجاء أولئك فقاموا مقامهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم، ثم قاموا فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا»
أوجَبَ اللهُ أداءَ الصَّلاةِ في كُلِّ وقتٍ، ولم يجعَلْ للمُسلِمِ عُذرًا في تَركِها حتَّى أثناءَ الحَربِ، وهذا يدُلُّ على عظيمِ قدْرِها، وكبيرِ شأنِها، وشُرِعتْ صلاةُ الخَوفِ تخفيفًا على المُجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ، ورفعًا للحَرَجِ والمَشَقَّةِ عنهم. وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "لمَّا أَمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بصَلاةِ الخَوفِ" وهي الصَّلاةُ الَّتي تحضُرُ والمُسلِمونَ في حالةٍ مِن الحَربِ والقِتالِ للعَدُوِّ، "قُمنا خَلْفَه"، أي: وَقَفْنا خَلْفَه للصَّلاةِ "صَفًّا مُواجِهَ العَدُوِّ" لحِراسَةِ الذين يُصَلون "وصَفًّا خَلْفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: أنَّ الجيشَ انقَسَمَ إلى فَريقيْنِ، فريقٍ يُواجِهُ العَدُوَّ، وفَريقٍ يَقِفُ خَلْفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيُصَلِّيَ بهم، "فصَلَّى بهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَكعَةً، فلمَّا قام"، أي: لما وَقَفَ من الرَّكعةِ الأُولى، "انطَلَقَ الصَّفُّ الذي خَلْفَه فواجَهَ العَدُوَّ" بدلًا من الصَّفِّ الآخَرِ "وأقبَلَ الصَّفُّ الذي كانوا مُواجِهي العَدُوِّ، فَصَلَّوْا خَلْفَه فصَلَّى بهم رَكعةً، ثم سلَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" فيكونُ قد صَلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَكعتينِ لنفْسِه ورَكعةً لكُلِّ صَفٍّ؛ ولذلك "فقامَ كُلُّ إنسانٍ من الصَّفينِ كليهما، فصَلَّى لنفْسِه رَكعةً"، وفي روايةٍ عندَ الطَّبَريِّ في تَفسيرِه مِن حَديثِ ابنِ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "ثم سلَّمَ رَسولُ اللهِ، ثم قامَ هَؤلاءِ فصَلَّوْا لأنفُسِهم رَكعةً، ثم ذَهَبوا مقامَ أصحابِهم مُستَقْبِلي العَدُوِّ، ورَجَعَ الآخَرون إلى مَقامِهم، فصَلَّوْا لأنفُسِهم رَكعةً"؛ ذلك حتى يَظَلوا حارِسين للعَدُوِّ. وقد وَرَدَ في كيفيَّةِ صلاةِ الخوفِ صِفاتٌ كثيرةٌ، وهذه إحدى الرِّواياتِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها، وقد صلَّاها في أيَّامٍ مُختلفةٍ بأشكالٍ مُتباينةٍ، يتحرَّى فيها ما هو الأحوطُ للصَّلاةِ، والأبلَغُ للحِراسةِ، فهي على اختِلافِ صُوَرِها مُتَّفِقةُ المعنى