مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 195

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 195

حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، فنزل على أمية بن خلف بن صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام، ومر بالمدينة نزل على سعد، فذكر الحديث، إلا أنه قال: فرجع إلى أم صفوان، فقال: أما تعلمي ما قال أخي اليثربي؟ [ص:346] قالت: وما قال؟ قال: زعم أنه «سمع محمدا يزعم أنه قاتلي» . قالت: فوالله ما يكذب محمد، فلما خرجوا إلى بدر، وساقه

 في هذا الحَديثِ يَحْكي عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ سَعدَ بنَ مُعاذٍ الأنْصاريَّ رَضيَ اللهُ عنه انطلَقَ مِن المَدينةِ مُعتمِرًا -وكانوا يَعتَمِرونَ مِن المَدينةِ قبْلَ أنْ يَعتَمِرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فنزَل حِينَ دُخولِه مكَّةَ للعُمرةِ على أُمَيَّةَ بنِ خَلفٍ أبي صَفْوانَ، وكان مِن كِبارِ المُشرِكينَ، وكانوا أصْدقاءَ، وكان أُمَيَّةُ إذا انطلَقَ إلى الشَّامِ للتِّجارةِ، فمَرَّ بالمَدينةِ لأنَّها طَريقُه؛ نزَل على سَعدِ بنِ مُعاذٍ، وكان سَعدٌ ذاتَ مرَّةٍ بمكَّةَ وأرادَ أنْ يَطوفَ بالكَعبةِ، فأمَرَه أُميَّةُ أنْ يَنتَظِرَ، حتَّى إذا انتصَفَ النَّهارُ وغفَل النَّاسُ خرَج  للطَّوافِ، وذلك خَشْيةَ أنْ يُعارِضَه أحدُهم، فلمَّا غفَل النَّاسُ انطلَقَ سَعدٌ وطاف به، فبَيْنا سَعدٌ يَطوفُ، إذ حَضَر أبو جَهلٍ عندَ الكَعبةِ، وجعَلَ يَعتَرِضُه، فسَأَله عن نفْسِه، فأخبَرَه أنَّه سَعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال له أبو جَهلٍ: تَطوفُ بالكَعبةِ آمِنًا وقد آوَيْتُم محمَّدًا وأصْحابَه؟! يُريدُ مَن هاجَرَ إليهم مِن مكَّةَ، وزَعَمتُم أنَّكم تَنصُرونَهم وتُعينونَهم، أمَا واللهِ لولا أنَّكَ معَ أبي صَفْوانَ ما رجَعْتَ إلى أهلِكَ سالِمًا، وهذا تَهْديدٌ لسَعدٍ، فأجابَه سَعدٌ: نَعمْ، آوَيْناهم في بِلادِنا، وظلَّ الاثْنانِ يَتَجادَلانِ فتَلاحَيا، أي: تَخاصَمَ سَعدٌ وأبو جَهلٍ وتَنازَعا بيْنَهما. فقال أُمَيَّةُ لسَعدٍ: لا تَرفَعْ صوتَكَ على أبي الحكَمِ، يُريدُ أبا جَهلٍ؛ فإنَّه سيِّدُ أهلِ الوادي، أي: مكَّةَ، وهذا مِن العَصبيَّةِ لسيِّدِ قَومِه، ثمَّ قال سَعدٌ لأبي جَهلٍ مُتوعِّدًا ومُهدِّدًا: واللهِ لئنْ منَعْتَني أنْ أطوفَ بالبَيتِ، لَأقْطَعَنَّ مَتْجرَكَ بالشَّامِ، أي: واللهِ لئنْ منَعْتَني هذا لَأمْنَعَنَّكَ ما هو أشدُّ عليكَ منه، وهو قَطْعُ طَريقِكَ على المَدينةِ إلى الشَّامِ، ثمَّ جعَلَ أُميَّةُ يُكرِّرُ على سَعدٍ ألَّا يَرفَعَ صَوتَه على أبي الحكَمِ، وجعَل يُمسِكُه لئلَّا يَلحَقَه مَكروهٌ، فغَضِب سَعدٌ مِن أُمَيَّةَ، وقال له: دَعْنا عنكَ، أي: اترُكْ مُحاماتَكَ لأبي جَهلٍ، وأخبَرَهما أنَّه سَمِع محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخبِرُ أنَّه سيَقتُلُ أُمَيَّةَ، فلمَّا سَمِع أُمَيَّةُ ذلك حلَفَ بأنَّ محمَّدًا لا يَكذِبُ؛ فهو الصَّادِقُ المَصْدوقُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهكذا فعَلَتِ امْرأةُ أُمَيَّةَ حينَ حدَّثها بذلك، فصَدَّقَتْ قولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فلمَّا أرادَتْ قُرَيشٌ الخُروجَ إلى بَدرٍ لمُحارَبةِ المُسلِمينَ في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجرةِ، وجاء صَوتُ المُستَصرِخِ -أي: المُستَغيثِ- يَدْعو قُريشًا إلى الخُروجِ في الجَيشِ لقِتالِ المُسلِمينَ؛ ذكَّرَتْه امْرأتُه بقَولِ سَعدٍ، فأرادَ أُمَيَّةُ ألَّا يَخرُجَ معَهم إلى بَدرٍ؛ خَوفًا ممَّا قالهُ سَعدٌ، فقال له أبو جَهلٍ: إنَّكَ مِن أشْرافِ الوادي، أي: مكَّةَ، فسِرْ يومًا أو يَومَينِ، أي: ثمَّ ارجِعْ إلى مكَّةَ، ولكنْ وقَع قدَرُ اللهِ، فسار معَهم يَومَينِ، فلمْ يزَلْ على ذلك حتَّى وصَل المَقصِدَ، وأكمَلَ معَ الجَيشِ، وشارَكَ في المَعركةِ، فقتَلَه اللهُ في وَقْعَةِ بَدْرٍ

وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإخْبارِه عنِ الغَيبِ، ووُقوعِه كما أخبَرَ