مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 357
مسند احمد
حدثنا إسحاق بن عيسى، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا في غزوة بدر، كل ثلاثة [ص:112] منا على بعير، كان علي وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان عقبة النبي صلى الله عليه وسلم، قالا: اركب يا رسول الله، حتى نمشي عنك، فيقول: «ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما»
لمَّا هاجَرَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المَدينةِ واستَقَرَّ فيها بَنى دَولةَ الإسلامِ، وبَنى المَسجِدَ وآخى بَينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ، وبَدَأت حَياةُ الكِفاحِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، فكانت غَزوةُ بَدرٍ في السَّنةِ الثَّانيةِ للهِجرةِ، وكان عَدَدُ المُسلمينَ قَليلًا، وكذلك أيضًا عِدَّتُهم مِنَ الخَيلِ والجِمالِ قَليلةٌ، فكان كُلُّ ثَلاثةٍ على بَعيرٍ
أي: على جَمَلٍ، يَتعاقَبونَ، أي: يَتَناوَبونَ في الرُّكوبِ عليه واحِدًا بَعدَ واحِدٍ، والعُقبةُ: النَّوبةُ؛ فكُلُّ واحِدٍ يَركَبُ عليه وقتًا مُعَّينًا ثُمَّ يَنزِلُ ويَركَبُ عليه الثَّاني وَقتًا مُعيَّنًا، ثُمَّ يَنزِلُ ثُمَّ يَركَبُ عليه الثَّالِثُ وهَكَذا، وكان أبو لُبابةُ -وهو رفاعةُ بنُ عَبدِ المُنذِرِ الأنصاريُّ- وعَليُّ بنُ أبي طالبٍ زَميلَي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. والزَّميلُ: هو الذي يَركَبُ مَعَك على دابَّةٍ واحِدةٍ، أي: كانا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في اشتِراكِهم في بَعيرٍ واحِدٍ يَتعاقَبونَ عليه. والمَعنى: أنَّ ثَلاثَتَهم يَتعاقَبونَ بالرُّكوبِ على بَعيرٍ واحِدٍ. فلَمَّا كانت عُقبةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: جاءَت نَوبةُ نُزولِه مِنَ البَعيرِ ومَشيِه على قدَمَيه، قال أبو لُبابةَ وعليٌّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَحنُ نَمشي عنك، أي: نيابةً عنك، فاستَمِرَّ أنتَ يا رَسولَ اللهِ فوقَ البَعيرِ، ونَحنُ سَنواصِلُ المَشيَ على أقدامِنا، وذلك حتَّى يَظَلَّ رَسولُ اللهِ راكِبًا. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَهم: ما أنتُما بأقوى مِنِّي على المَشيِ، أي: لَن تَكونوا أقوى مَشيًا مِنِّي، فأنا أقوى مِنكُما وأستَطيعُ المَشيَ أقوى مِنكُما. ولا أنا بأغنى عنِ الأجرِ مِنكُما، أي: لَستُ بمُستَغنٍ عن أجرِ المَشيِ في سَبيلِ اللهِ على قدَمي. والمَعنى: أنتُما تُريدانِ أن تَمشيا راجِلَينِ لطَلَبِ الأجرِ، وأنا أيضًا أطلُبُ الأجرَ بأن أنزِلَ وأُركِبَكُما على الدَّابَّةِ
وفي الحَديثِ بَيانُ قِلَّةِ عِدَّةِ المُسلمينَ في غَزوةِ بَدرٍ
وفيه أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ وأبا لُبابةَ كانا مِمَّن شارَكا في غَزوةِ بَدرٍ
وفيه مَشروعيَّةُ تَناوُبِ الجَماعةِ في رُكوبِ البَعيرِ الواحِدِ
وفيه تَواضُعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفيه مواساةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرُّفقاءِ مِن أصحابِه
وفيه حُبُّ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإيثارُهم له
وفيه تَعليمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه مَكارِمَ الأخلاقِ وطَلَبَ الأجرِ
وفيه حِرصُ المَرءِ على الأجرِ وإن كان عالِمًا أو زاهدًا؛ فإنَّ أحَدًا لا يَستَغني عنِ الأجرِ