مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 63

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 63

حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: «لأن أحلف بالله تسعا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا، أحب إلي من أن أحلف واحدة، وذلك بأن الله عز وجل اتخذه نبيا، وجعله شهيدا»

الشَّهادةُ في سَبيلِ اللهِ تعالى مِن أفضَلِ المَنازِلِ وأعلاها عِندَ اللهِ تعالى بَعدَ مَنزِلةِ النُّبُوَّةِ والصِّدِّيقيَّةِ

 كما قال سُبحانَه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، فجَعل اللهُ سُبحانَه الشُّهَداءَ في المَرتَبةِ بَعدَ الأنبياءِ والصِّدِّيقينَ؛ وذلك لأنَّهم قدَّموا أرواحَهم رَخيصةً في سَبيلِ اللهِ تعالى. وقد جاءَتِ النُّصوصُ الكَثيرةُ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ في فَضلِ الشَّهادةِ والشَّهيدِ، وما له مِنَ الأجرِ العَظيمِ عِندَ اللهِ تعالى، وقد تَمَنَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُقتَلَ في سَبيلِ اللهِ فقال: لَودِدتُ أنِّي أُقتَلُ في سَبيلِ اللهِ ثُمَّ أحيا، ثُمَّ أُقتَلُ ثُمَّ أحيا، ثُمَّ أُقتَلُ. ولَكِنَّ اللَّهَ تعالى قد أكرَمَه بالنُّبوَّةِ والرِّسالةِ، وهيَ أعظَمُ مِنَ الشَّهادةِ. ومَعَ ذلك رَأى بَعضُ الصَّحابةِ أنَّ اللَّهَ تعالى قد جَمَعَ لنَبيِّه بَينَ النُّبوَّةِ والشَّهادةِ؛ وذلك لكَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماتَ مِن أثَرِ السُّمِّ الذي وضَعَته له المَرأةُ اليَهوديَّةُ يَومَ خَيبَرَ في ذِراعِ الشَّاةِ، بَل كان عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه يَحلِفُ باللهِ تعالى على ذلك، فيَقولُ: لأن أحلِفَ تِسعًا، أي: تِسعةَ أيمانٍ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُتِلَ قَتلًا، أي: بسُمِّ ما تَناولَ مِنَ الذِّراعِ بأن ظَهَرَت آثارُه عِندَ الوفاةِ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أحلِفَ واحِدةً أنَّه لَم يُقتَلْ، أي: أنَّه ماتَ مَوتًا عاديًّا؛ وذلك أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ جَعله نَبيًّا واتَّخَذَه شَهيدًا، أي: لِما في ذلك مِن إظهارِ شَرَفِه ومَكانتِه عِندَ اللهِ بأنَّه نَبيٌّ وشَهيدٌ. قال -والقائِلُ هنا هو الأعمَشُ أحَدُ أئِمَّةِ الحَديثِ ورواةِ هذا الحَديثِ-: فذَكَرتُ ذلك لإبراهيمَ. قيلَ: هو إبراهيمُ النَّخعيُّ، وقيلَ: إبراهيمُ التَّيميُّ، وكِلاهما مِنَ التَّابِعينَ مِن مَشايِخِ الأعمَشِ. والمَعنى: أنَّ الأعمَشَ ذَكَرَ لإبراهيمَ قَولَ ابنِ مَسعودٍ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان نَبيًّا شَهيدًا. فبَيَّنَ له إبراهيمُ كَيف ذلك، فقال: كانوا يرَونَ ويَقولونَ: إنَّ اليَهودَ سَمُّوه وأبا بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبا بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه ماتا مَسمومَينِ بفِعلِ اليَهودِ. ومِنَ المُعجِزةِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يُؤَثِّرْ فيه السُّمُّ في وقتِه؛ لأنَّ اليَهودَ كانوا يَقولونَ: إن كان نَبيًّا لَم يَضُرَّه السُّمُّ، وإن كان مَلكًا استَرَحْنا مِنه، فلمَّا لَم يُؤَثِّرْ فيه السُّمُّ تَيَقَّنوا نُبوَّتَه، ثُمَّ جاءَه أثَرُ السُّمِّ بَعدَ سَنَواتٍ لإكرامِه بالشَّهادةِ، وأمَّا أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه فلَعَلَّه كان مِمَّن أكَلَ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن تلك الشَّاةِ المَسمومةِ ثُمَّ عاشَ بَعدَها، ويُحتَمَلُ أنَّ اليَهودَ سَمُّوه في قِصَّةٍ أُخرى، واللهُ أعلَمُ

وفي الحَديثِ بَيانُ قَولِ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماتَ شَهيدًا

وفيه بَيانُ القَولِ بأنَّ أبا بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه ماتَ مَسمومًا