مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 153
حدثنا عبد الله، حدثنا أبو عبيدة بن فضيل بن عياض، - وقال لي: هو اسمي وكنيتي - حدثنا مالك بن سعير يعني ابن الخمس، حدثنا فرات بن أحنف، حدثنا أبي، عن ربعي بن حراش، أن علي بن أبي طالب، قام خطيبا في الرحبة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما شاء الله أن يقول ثم " دعا بكوز من ماء فتمضمض منه، وتمسح، وشرب فضل كوزه وهو قائم، ثم قال: بلغني أن الرجل منكم يكره، أن يشرب وهو قائم، وهذا وضوء من لم يحدث ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا " (2)
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم حَريصينَ أشدَّ الحِرصِ على تَعليمِ النَّاسِ العِباداتِ كما رَأوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُها، فعَلَّموا غيرَهُم الوضوءَ والصَّلاةَ وسائرَ العِباداتِ الَّتي أمرَهُم بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ التَّابعيُّ النَّزَّالُ بنُ سَبرةَ: "رأيتُ عليًّا"، وهو ابنُ أبي طالبٍ،
"صلَّى الظُّهرَ"، أي: انتَهى من صلاةِ الظُّهرِ،
وعندَ ابنِ حِبَّانَ: قال: "صَلَّيتُ مع عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه الظُّهرَ"،
"ثمَّ قَعَدَ لحوائجِ النَّاسِ"، أي: جلَس يَنظُرُ في مُهمَّاتِهم من تَعليمِ أمورِ الدِّينِ، وإصلاحِ ذاتِ البَينِ، وفَصْلِ الخُصوماتِ، ونحوِ ذلك،
قال: "فلمَّا حَضرتِ العصرُ"، أي: دَخل وقتُ صلاةِ العصرِ،
"أُتي بتَورٍ مِن ماءٍ"، أي: فيه ماءُ وُضوئِه، والتَّورُ: إناءٌ مُستديرٌ يُشبهُ الطَّستَ يُصنَعُ من النُّحاسِ أو منَ الحجارَةِ، "فأخَذ منه كَفًّا"، أي: مِلءَ كفِّه ماءً من ذلك التَّورِ،
"فمَسح به وَجهَه وذراعَيْه ورأسَه ورجلَيْه"، أي: بعد المَضمضةِ، والاستنْشاقِ،
كما في روايةِ أحمدَ: "فأَخذ كفًّا من ماءٍ فمَضمض، واستنشَق، ومَسحَ وجهَهُ".
قال النَّزَّالُ: "ثمَّ أخَذ فضْلَه"، أي: ما بقِيَ من ماءِ الوضوءِ الَّذي لم يُستعمَلْ،
"فشَرِب قائمًا"، أي: شَرِب ما تَبقَّى من ماءٍ بعدَ الوُضوءِ،
"وقال: إنَّ ناسًا يَكرهون هذا"،
وفي روايةِ البُخاريِّ: "إنَّ ناسا يَكرهُ أحدُهم أنْ يَشرَبَ وهو قائمٌ"؛ وإنَّما كرِهوا ذلك لنَهْيِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلِك؛ فأعْلَمَهم عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه بفِعلِه أنَّ مِثلَ هذا مشروعٌ، وإنْ كان الأَوْلَى أنْ يَشربَ وهو جالِسٌ، إلَّا أنَّه إنْ شَرِب قائمًا فلا بأسَ.
قال: "وقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه"، أي: يشرَبُ قائمًا،
ثم قال: "وهذا وُضوءُ مَن لم يُحدِثْ"، أي: وهذه إحْدَى كيفيَّاتِ الوضوءِ لِمَن لم يَنقضْ وُضوءَه وأرادَ التَّجديدَ؛ فيُكتفى بكَفٍّ من ماءٍ لِلمَضمضةِ، والاستِنْشاقِ، ومَسْحِ الوجهِ واليدين، والرَّأسِ، والرِّجلَينِ، وقوله: "مَن لَم يُحْدِث"، يشيرُ به إلى أنَّ وُضوءَ مَن أحدثَ على الخِلافِ من ذلك،
وهو بما اشتهرتْ به الرواياتُ أنْ يكونَ بغَسْلِ الأعضاءِ لا مَسْحِها.
وفي الحديث: أنَّ الإمامَ يَنبغي له أنْ يَتفرَّغَ في بعضِ الأوقاتِ لِقضاءِ حوائجِ النَّاسِ، وأن يَجلسَ في مكانٍ ظاهرٍ بِحيثُ لا يَخفَى على الغريبِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ تجديدِ الوُضوءِ لِمَن لم يُحدِثْ بصِفةٍ أقلَّ مِن صِفةِ الوضوءِ لِمَن أحدَث وهي الاكتفاءُ بمَسْحِ أعضاءِ الوُضوءِ وليس غَسلَها.
وفيه: مَشروعيَّةُ الشُّربِ قائمًا.