مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 124
قرأت على عبد الرحمن: عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، أنه قال:
شهدت العيد مع عمر بن الخطاب، فجاء فصلى، ثم انصرف، فخطب الناس، فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم (1)
أَخَذَ الصَّحابَةُ الكِرامُ كلَّ ما يُصلِحُ شُؤونَ دِينِهم ودُنْياهم عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛
فَهو القُدوةُ والأُسوةُ، وكلامُهُ وفِعْلُهُ هو المَرْجِعُ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيُّ أبو عُبيدٍ -وهو سَعدُ بنُ عُبَيدٍ، مولى عبدِ الرَّحمنِ بنِ أزهرَ، ويقال: مولى ابنِ عَمِّه عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وقد مات سنةَ ثمانٍ وتِسعينَ- أنَّه شَهِدَ صَلاةَ العيدِ يَومَ الأضحى -وهو يومُ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ- مَع عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه في عَهدِه وخلافَتِه، فصَلَّى قبْلَ الخُطبَةِ، ثُمَّ خطَبَ النَّاسَ؛ يَقتدي بِالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلك، فذكر في خُطبَتِه هذه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَدْ نهى عَنْ صِيامِ يَومِ عيدِ الفِطرِ وعيدِ الأضحى؛ فأمَّا عيدُ الفِطرِ فيَومُ الفِطرِ من صيامِ شَهرِ رَمَضانَ، وأمَّا يومُ عِيدِ الأضحى فيَومُ الأكْلِ مِن الأضاحيِّ.
ثم أخبر أبو عُبيدٍ أنَّه حضر العيدَ -ولم يُحدِّدْ أيَّ العيدينِ- مَع عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه في عَهْدِه وخلافَتِه، فَكان يَومُ العيدِ هذا مُوافقًا يَومَ الجُمعَةِ، فصَلَّى عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه بالنَّاسِ قبْلَ الخُطبَةِ، ثُمَّ خَطبَ، فذَكَر في خطبته أنَّ هذا يَومٌ قَدِ اجتَمَعَ فيهِ عِيدانِ، ومُرادُه يَومُ الجُمعَةِ، ويَومُ العيدِ، وسُمِّي يومُ الجُمُعةِ عِيدًا؛ لأنَّه زمانُ اجتِماعِ المُسلِمين في يومٍ عَظيمٍ لإظهارِ شَعائِرِ الدِّينِ، كيومِ العِيدِ. فمَن أحبَّ أنْ يَنتَظِرَ الجُمعَةَ مِن أهلِ العَوالي -وهيَ قُرًى تَقعُ شَرقَ المَدينَةِ على بُعدِ ثلاثةِ أو أربعةِ أميالٍ منها- فَلْيَنتظِرْ، ويَتأخَّرْ إلى أنْ يُصلِّيَ الجُمعَةَ، ومَن أحبَّ أنْ يَرجِعَ إلى بَيتِه فَقدْ أذِنْتُ لَه بِالذَّهابِ. فيكتفي بخُطبةِ العِيدِ عن صلاةِ الجُمُعةِ، ويُصَلِّي الجُمُعةَ ظهرًا في بَيتِه.
ثم أخبر أبو عُبيْدٍ أنَّه حضر العيدَ -وهو عيدُ الأضحى، لدَلالةِ سِياقِ الكلامِ عليه- مَع عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، فَصلَّى بالنَّاسِ قبْلَ الخُطبَةِ، ثُمَّ خَطبَ النَّاسَ، فذكر لهم أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد نهى عن أكلِ لحومِ الأضاحِيِّ فَوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ.
وقيلَ: سَببُ النَّهيِ أنَّ قَومًا أصابَهم فَقرٌ فَدَخلوا إلى المَدينَةِ مِن شِدَّةِ الجوعِ، وأحبَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُواساتَهُم، وقَدْ جاءَ في صَحيحِ مُسلمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ واقدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: «نهى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكلِ لحومِ الضَّحايا بعد ثلاثٍ»،
قال عبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ: فذكَرْتُ ذلك لعَمْرةَ، فقالت: صدَقَ؛ سَمِعتُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها تقولُ: دَفَّ أهلُ أبياتٍ مِن أهلِ الباديةِ حَضرةَ الأضحى زمَنَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ادَّخِروا ثلاثًا، ثم تصَدَّقوا بما بَقِيَ»، فلما كان بعد ذلك، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ النَّاسَ يتَّخِذون الأسقِيَةَ مِن ضحاياهم، ويَجمُلونَ منها الوَدَكَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وما ذاك؟» قالوا: نهيتَ أن تُؤكَلَ لُحوُم الضَّحايا بعد ثلاثٍ، فقال: «إنما نهيتُكم من أجْلِ الدَّافَّةِ التي دَفَّت، فكُلُوا وادَّخِروا وتصَدَّقوا».
وفي الحديثِ: أنَّ خُطبةَ العيدِ تكونُ بعْدَ الصَّلاةِ.
وفيه: أنَّه إذا صادَف العيدُ يومَ الجُمُعةِ فالمسلمُ بالخيارِ بيْن أنْ يَكتفِيَ بصَلاةِ العيدِ فقطْ، ولا يُصلِّي الجُمُعةَ بل يُصلِّيها ظُهرًا، أو أنْ يُصلِّيَ العيدَ، ثمَّ يُصلِّي الجُمُعة في وقْتِها.
وفيه: أنَّ للإمامِ والحاكمِ أنْ يُوجِّه الناسَ إلى ما فيه مَصلحةُ العامَّة، وأنْ يَختارَ مِن السُّننِ ما يُناسِبُ المصلحةَ.
وفيه: النهيُ عن صيامِ يَومِ الفِطرِ ويومِ الأَضحى.