مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 27
حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة، أخبرنا أبو عقيل، عن ابن عمه
عن عقبة بن عامر، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يحدث أصحابه، فقال: " من قام إذا استقلت الشمس (1) فتوضأ، فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين، غفر له خطاياه فكان كما ولدته أمه ".
قال عقبة بن عامر: فقلت: الحمد لله الذي رزقني أن أسمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي عمر بن الخطاب، وكان تجاهي جالسا: أتعجب من هذا؟ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجب من هذا قبل أن تأتي، فقلت: وما ذاك بأبي أنت وأمي؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة (2) ، يدخل من أيها شاء " (3)
رَحْمةُ اللهِ واسعةٌ، ومِن رَحمتِه وفَضلِه سبحانَه أنَّه يُكافئُ عِبادَه بالجَزيلِ مِن الأَجرِ على أقلِّ القَليلِ من العَملِ،
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ عُقْبةُ بنُ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان والصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "خُدَّامَ أَنْفسِنا"؛ إشارةً إلى أنَّهم لم يَكُنْ معَهم مِنْ خَدَمٍ تَخْدُمُهم،
فكانوا يَقومونَ على الخِدْمةِ بأنْفُسِهم، فكانوا يتَناوَبون، أي: يتبادَلون رِعايةَ الإبِلِ؛
قال عُقْبَةُ: "فكانت عليَّ رعايةُ الإبلِ"، أي: الدَّورُ في الرِّعايةِ،
"فرَوَّحتُها بالعَشيِّ"، أي: رَدَدتُ الإبلَ إلى مُراحِها في آخِرِ النَّهارِ، ولَمَّا انْتَهى عُقْبةُ من خِدمتِه رَجَع فأَدْرَكَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخْطُبُ النَّاسَ،
فسَمِعَه يقولُ: "ما مِنْكم مِن أَحَدٍ يتَوضَّأُ فيُحْسِنُ الوُضوءَ"،
أي: يُسْبِغُ وُضوءَه،ويُعْطي كلَّ عضوٍ حقَّه من الماءِ
"ثمَّ يقومُ فيَرْكَعُ"، أي: يُصلِّي
"ركعتَينِ، يُقْبِلُ عليهِما بقَلْبِه ووَجْهِه"، أي: يُخْلِصُ ويَخْشَعُ فيهما للهِ،
"إلَّا قد أوْجَب"، أي: وَجَبَتْ له الجَنَّةُ،
فقال عقبةُ مُعْجَبًا ومُسْتحسِنًا تلك البُشرى: "بَخٍ بَخٍ، ما أجودَ هذه!".
فقال له رَجُلٌ مِن بينِ يدَيه، أي: مِن أمامِه: "التي قَبْلَها"، أي: الكلمةُ والبُشْرى الَّتي قَبْلَ هذه،
"يا عُقْبةُ أجوَدُ منها"، قال عُقْبةُ: "فنَظَرتُ"، أي: الَّذي يَتَكلَّمُ، "فإذا هو عُمَرُ بنُ الخطَّابِ" رَضِيَ اللهُ عنه، فقال له عُقْبةُ: "ما هي؟"، فأجابَه عُمَرُ: "إنَّه"، أي: النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم،
"قال آنِفًا"، أي: مُنْذُ قليلٍ،
"قبلَ أنْ تَجِيءَ"، أي: تأتيَ،
"ما مِنْكم مِنْ أحدٍ يتَوضَّأُ فيُحْسِنُ الوُضوءَ، ثمَّ يقولُ حين يَفْرُغُ"، أي: يَنْتهي
"مِن وُضوئِه: أَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه،
إلَّا فُتِحتْ له أبوابُ الجَنَّةِ الثَّمانيةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّها شاء"،
أي: مِن أيِّ واحدٍ مِنها أراد أنْ يَدْخُلَ دَخَل.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على إسباغِ الوُضوءِ.
وفيه: التنبيهُ إلى أهمِّيَّةِ إخلاصِ العبادةِ للهِ عزَّ وجلَّ.