معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى) ، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء
بطاقات دعوية
حديث عائشة عن مسروق قال: قلت لعائشة يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه فقالت لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) ، (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) ؛ ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) ؛ ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت (يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية؛ ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين
كانت رحلة الإسراء والمعراج من المعجزات التي أيد بها الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، فأكرمه الله وأصعده مع جبريل إلى السموات العلا، حتى أراه الجنة وأراه من آياته الكبرى
وفي هذا الحديث يحكي مسروق بن الأجدع أنه سأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «يا أمتاه، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت: لقد قف» أي: قام «شعري» فزعا وخوفا «مما قلت» هيبة من الله، واستحالة لوقوع ذلك في الدنيا، وليس هذا إنكارا منها لجواز الرؤية مطلقا، كقول المعتزلة؛ فأهل السنة والجماعة على أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة
وسألته: كيف يغيب فهمك عن استحضار ثلاثة أشياء ينبغي ألا تغيب عنك؟ من أخبرك بهن فقد كذب في حديثه، أي: أخطأ؛ فإن العرب تقول لمن أخطأ: كذبت
أول هذه الثلاث: من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج فقد كذب، ثم قرأت قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} [الأنعام: 103]. واستدلت عائشة رضي الله عنها أيضا بقوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} [الشورى: 51]
وأما الأمر الثاني فقالت: ومن حدثك أنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} [لقمان: 34]، أي: وما تدري نفس من النفوس كائنة من كانت ماذا تكسب غدا من عمل؛ أخيرا أم شرا، ومن رزق قليل أو كثير، فلا يعلم الغيب إلا الله وحده، إلا ما اصطفى به عبدا من عباده
والأمر الثالث قالت: ومن حدثك أنه صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أمر بتبليغه فقد كذب، ثم قرأت: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67].
قالت: ولكنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين، تعني: له ست مائة جناح؛ وذلك مرة بالأرض في الأفق الأعلى، ومرة في السماء عند سدرة المنتهى. وفي صحيح مسلم: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى} [النجم: 13] فقال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين؛ رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض!». ومذهب ابن عباس رضي الله عنهما على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل، لكن ليست رؤيا عين، بل هي رؤية قلبية، كما في رواية مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «رآه بقلبه»، قيل: جعل الله لقلبه بصرا ليراه كأنه يرى بالعين، أو ثبت الله فؤاده حتى يدرك ما تراه عينه، وفي صحيح مسلم قال أبو ذر: قد سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت نورا»، وهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن المقصود بالنور هو نور الله، أو أنه رأى نورا لم يمكنه من رؤية الله سبحانه وتعالى، كما أوضح ذلك في الرواية الأخرى عن أبي ذر أيضا: «نور أنى أراه؟!»، أي: رأيت حجابا من نور، فكيف أرى الله تعالى مع وجود حجاب النور؟! وذكر جمع أن المقصود بالرؤية هو جبريل عليه السلام
وفي الحديث: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام على حقيقته