من خان غازيا في أهله 4
سنن النسائي
أخبرنا أبو محمد موسى بن محمد هو الشامي، قال: حدثنا ميمون بن الأصبغ، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا شريك، عن أبي إسحق، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات وقال: «من خاف ثأرهن فليس منا»
الحيَّاتُ والثَّعابينُ من الحَيواناتِ الضَّاريةِ الَّتي يتعدَّى آذاها للإنسانِ، وقد توجَدُ في الخَلواتِ والصَّحاري، كما تُوجَدُ في البُيوتِ المأْهولةِ، وقد بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كيفيَّةَ التَّعاملِ مع هذه الأنواعِ لتَجنُّبِ شرِّها، كما يُخبرُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ
في هذا الحديثِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:"أنَّه أمَرَ بقَتلِ الحيَّاتِ"، أي: أمَر بقَتلِها كلِّها دونَ استِثناءٍ. وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَن خاف ثأرَهنَّ فليس منَّا"، أي: مَن خاف انتِقامَهنَّ فليس على هَديِنا، وطريقَتِنا. ولكنْ ورَد من الأحاديثِ الصَّحيحةِ ما يدُلُّ على أنَّ هذا الأمرَ العامَّ بقَتلِهنَّ كان في أوَّلِ الأمرِ؛ حيثُ أمَر أوَّلًا بقَتلِ الحيَّاتِ مطلقًا، ثمَّ بعدَ ذلك نهى عن حيَّاتِ البُيوتِ باستِثناءِ ذي الطُّفيَتينِ والأبترِ؛ وذو الطُّفيتَينِ: الحيَّةُ الَّتي في ظَهرِها خَطَّانِ، والأبتَرُ: الثُّعبانُ قصيرُ الذَّنَبِ (الذَّيل)، كما في الصَّحيحَينِ مِن حديثِ ابنِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: "اقتُلوا الحيَّاتِ، واقتُلوا ذا الطُّفيتَيْن والأبترَ؛ فإنَّهُما تُسقِطانِ الحَبَلَ وتَطمِسانِ البَصَرَ"، قال ابنُ عمرَ: فَرآني أبو لُبابةَ أو زيدُ بنُ الخطَّابِ وأنا أُطارِدُ حيَّةً فنَهاني، فقُلتُ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرَ بقَتلِهنَّ، فقال: إنَّه قد نَهَى بعدَ ذلك عَن قَتْلِ ذواتِ البُيوتِ"
وجاء عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما أخرَجَه مسلمٌ في صَحيحِه: أنَّهم أخْبَرُوه أنَّ شابًّا ضرَب حيَّةً فاضطربَتْ فخَرَّ ميِّتًا فما يُدرى أيُّهما أَسْرعُ موتًا: الفَتى أمِ الحيَّةُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ بالمدينةِ جِنًّا قد أسلَموا، فإذا رأيتُم مِنهم شيئًا فآذِنوه ثلاثةَ أيَّامٍ، فإنْ بدَا لكم بعدَ ذلك فاقتُلوه؛ فإنَّما هو شَيطانٌ"
والعِلَّةُ الظَّاهرةُ في الحديثِ إسلامُ الجنِّ، وذلك شيءٌ لا يُتوصَّلُ إلى مَعرفتِه إلَّا بما أخبَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فتُنذَرُ عوامرُ بيوتِ المَدينةِ كلِّها، باستِثناءِ ذا الطُّفيتَينِ والأبترِ فيُقتلانِ دونَ إنذارٍ، كأنْ يقولَ الذي يَرى الحيَّةَ في بَيتِه: أُحرِّجُ عليكِ أيَّتُها الحيَّةُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أن تَظهري لنا أو تُؤذينا. وأمَّا في غيرِ المدينةِ؛ فقيلَ: تُنذَرُ، وقيل: تُقتَل فَورًا، وأمَّا الَّتي في الصَّحراءِ فتُقتلُ فورًا بلا خِلافٍ