ومن حديث جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم 1

مستند احمد

ومن حديث جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم 1

 حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، حدثنا زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله قام يخطب يوم توفي المغيرة بن شعبة فقال: عليكم باتقاء الله عز وجل، والوقار والسكينة، حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا [ص:490] لأميركم، فإنه كان يحب العفو، وقال: أما بعد، فإني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أبايعك على الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - واشترط علي -: «والنصح لكل مسلم» فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لكم لناصح جميعا. ثم استغفر ونزل

لعِظَمِ مَقامِ النُّصحِ وشَرَفِ مَنزلتِه ومَرتَبتِه كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشتَرِطُه على مَن جاء ليُبايعَه على الإسلامِ مِنَ الصَّحابةِ الكِرامِ
وفي هذا الحديثِ يَحكي جَريرُ بنُ عبدِ اللهِ البَجَليُّ رضِيَ اللهُ عنهما جُزءًا من قِصةِ إسْلامِه، فيقولُ: "أتيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلْتُ: أُبايِعُكَ"، أي: أُعاهِدُكَ على هذه الأمورِ، "على الإسلامِ" بالدُّخولِ فيه وإقامةِ أركانِه، قال: "فقبَضَ يَدَه" يعني: أمسَكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِ جَريرٍ وسحَبَها إليه، "وقال: والنُّصحِ لكُلِّ مُسلمٍ"، فجَعَلَ المبايعةَ على الإسلامِ وعلى نُصحِ كلِّ المُسلِمينَ، وذلِك بامْتِثالِ الأَوامِرِ واجْتِنابِ المَناهي، ومُعامَلَتِهم مُعامَلةً حَسَنةً خالِصةً مِنَ المَكْرِ والخَديعةِ والغِشِّ والخيانةِ، وتَحَرِّي الخَيْرِ لَهُم، والحِرْصِ عَلى مَصالِحِهِم، والسَّعْيِ في مَنافِعِهم، ودفْعِ الشَّرِّ عنهم بالقولِ والفِعلِ معًا، والتقْييدُ بالمُسلمِ للأغلَبِ، وإلَّا فالنُّصحُ للكافرِ مُعتبَرٌ، بأنْ يُدْعَى إلى الإسْلامِ، ويُشارَ عليه بالصَّوابِ إذا استَشارَ
"ثم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّه مَن لا يَرحَمُ الناسَ لم يَرحَمْه اللهُ عزَّ وجلَّ"، فمَن لا يَتعطَّفُ على غيرِه ولا يَرأفُ بهِ ويُشفِقُ على ضِعافِهم، فلا يَستحِقُّ أنْ يَرحَمَه اللهُ عزَّ وجلَّ؛ قيلَ: هو إخْبارٌ وتَحْذِيرٌ مْنَ العِقابِ بأنْ لا يَرحَمَه اللهُ، ومَن لا يَرحَمُه اللهُ ابْتِداءً وَقَعَ في عَذابِه حتَّى تُدركَه الرَّحْمةُ إنْ كان من أهلِها. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ دُعاءً، والمَعنى: أنَّه لا يكونُ منَ الفائزينَ بالرَّحمةِ الكاملةِ، والسابِقينَ إلى دارِ الرحمةِ، وإلَّا فرَحمتُه وَسِعَت كلَّ شَيءٍ