إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي 3
سنن النسائي
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن جابر، قال: أهللنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا ليس معه غيره خالصا وحده، فقدمنا مكة صبيحة رابعة، مضت من ذي الحجة، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحلوا، واجعلوها عمرة» فبلغه عنا أنا نقول: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس، أمرنا أن نحل فنروح إلى منى، ومذاكيرنا تقطر من المني، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطبنا، فقال: «فقد بلغني الذي قلتم، وإني لأبركم وأتقاكم، ولولا الهدي لحللت، ولو استقبلت من أمري، ما استدبرت ما أهديت» قال: وقدم علي من اليمن فقال: «بما أهللت؟» قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «فأهد، وامكث حراما كما أنت قال» وقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله، أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أو للأبد؟ قال: «هي للأبد»
أَنساكُ الحَجِّ ثلاثةٌ: التَّمَتُّع؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحجِّ -وهي شوَّالٌ، وذو القَعدةِ، وذو الحِجَّةِ- ثُمَّ يَحِلَّ منها، ثُمَّ يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه. والقِرَانُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ معًا. والإفْرَادُ؛ وهو أن يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ فَقَطْ
وفي هذا الحَديثِ تَروي عائِشةُ أُمُّ المؤمنينَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ في حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة مِن المدينةِ وقد بَقِيَت خمْسُ لَيالٍ مِن شَهْرِ ذي القَعدةِ، وكانوا حِين خُروجِهم مِن المدينةِ عاقِدَين الإفرادَ بالحجِّ، ولم يَقَعْ في نُفوسِهم أداءُ العمرةِ معه؛ ذلك لأنَّهم كانوا لا يَعرِفون العُمرةَ في أشهُرِ الحجِّ -كما كان ذلك شائعًا في الجاهليَّةِ-، فلمَّا اقْتَرَبوا مِن مكَّةَ، أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الذين ليس معهم هدْيٌ بالتَّمتُّعِ بالعُمرةِ؛ وذلك بأنْ يَطوفَ بالبيتِ، ويَسْعى بيْن الصَّفا والمَروةِ، ثمَّ يُقصِّرَ شَعْرَه، ثمَّ يَتحلَّلَ مِن إحْرامِه، ثمَّ يُحرِمَ للحجِّ عندَ البَدْءِ في أعمالِه يومَ التَّرويةِ في الثامنِ ذي الحِجَّةِ
وحجَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قارنًا بأنْ جَمَعَ بيْن العُمرةِ والحجِّ بإحرامٍ واحدٍ دونَ أنْ يَتحلَّلَ؛ لأنَّه قدْ ساقَ الهدْيَ معه مِن ذي الحُلَيفةِ، فلمَّا كانَ يومُ النَّحرِ -وهو اليومُ العاشرُ مِن ذي الحجَّةِ- جاءهم لَحْمُ بقَرٍ، فسَأَلَت أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها عنه، فقِيل لها: ذَبَحَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن نِسائِه الهدْيَ مِن البَقَرِ
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ فسْخِ الإفرادِ بالحجِّ للتَّمتُّعِ بالحجِّ والعُمرةِ لمَن لم يَسُقِ الهَدْيَ
وفيه: مَشروعيَّةُ الوَكالةِ في نَحْرِ الهَدْيِ