الحث على النكاح 1
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن زرارة، قال: حدثنا إسمعيل، قال: حدثنا يونس، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كنت مع ابن مسعود وهو عند عثمان رضي الله عنه، فقال عثمان: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتية، قال أبو عبد الرحمن: «فلم أفهم فتية كما أردت» فقال: «من كان منكم ذا طول فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لا، فالصوم له وجاء»
الإسلامُ دِينُ الحَنيفيَّةِ السَّمْحةِ، وقدْ راعَى فِطرةَ الإنسانِ، وأوجَدَ المَسالِكَ الصَّحيحةَ لِحاجاتِهِ، والعِلاجَ لِمُشكلاتِهِ؛ فلمْ يَطلُبْ مِن المُسلِمِ أنْ يَكبِتَ غَرائزَهُ وشَهَواتِهِ، وفي الوَقتِ ذاتِهِ لم يُطلِقْ لِشَهَواتِه العِنانَ، فيَرتَعَ كالبَهائمِ دُونَ حَسيبٍ أو رَقيبٍ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عَلْقَمةُ بنُ قَيسٍ النَّخَعيُّ أنَّه كان مع الصَّحابيِّ عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه يَمْشيانِ بِمنًى، كما في رِوايةِ أبي داودَ، ومِنًى: وادٍ قُربَ الحَرَمِ المَكِّيِّ، يَنزِلُه الحُجَّاجُ لِيَبيتوا فيه يومَ التَّرويةِ وأيَّامَ التَّشريقِ، ويَرْموا فيه الجِمارَ، فلَقِيَه عُثمانُ بنُ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه: «يا أبَا عبدِ الرَّحْمَنِ» وهي كُنيةُ عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، «إنَّ لي إلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَوَا»، أي: يُريدُ أنْ يَتكلَّمَ معه، فابْتَعَدا معًا في مَوضعٍ لا يكونُ فيه ثالثٌ، ثمَّ عرَضَ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه على ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُزوِّجَه بِكرًا، وهي المرأةُ التي لم يَسبِقْ لها الزَّواجُ، وعلَّلَ ذلك بقولِه: «تُذَكِّرُكَ ما كُنْتَ تَعْهَدُ» يُريدُ ما كان مِن قُوَّتِه ونَشاطِه، قيل: إنَّما عرَضَ عليه عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه ذلك؛ لِما رأَى ما به مِن تَقشُّفٍ ورَثاثةٍ في الهَيئةِ، فحَمَلَ ذلك على فَقْدِه الزَّوجةَ التي تُرفِّهُه، فلمَّا رأَى عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه ليس له حاجةٌ في الزَّواجِ، أو أنَّه رَضيَ اللهُ عنه لَمَّا رأَى أنَّ الكلامَ الذي بيْنهما قدِ انْتَهى، وأنَّ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه لم يكُنْ له حاجةٌ إلَّا كلامَه عن تَزويجِه، ولم يَبْقَ هناك حَديثٌ يكونُ سِرًّا بيْنهما؛ دَعا عَلْقمةَ ليَجلِسَ معهما، فجاء عَلْقَمةُ ووَقَفَ عِندَه
ثمَّ تابَعَ عبْدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه كلامَه مع عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، واستَشهَدَ له بحَديثٍ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُناسبٍ لتَذكيرِ عُثمانَ وعَرْضِه الزَّواجَ على عبْدِ اللهِ، وفيه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَثَّ الشَّبابَ وأمَرَهم بتَعجيلِ الزَّواجِ، حيثُ قال مُناديًا الشَّبابَ ومُخصِّصًا إيَّاهم بالمُخاطَبةِ -لأنَّ الغالبَ قُوَّةُ الشَّهوةِ في الشَّبابِ، وهمْ مَظِنَّةُ الشَّهوةِ إلى النِّساءِ، ولا يَنفكُّون عنها غالبًا، بخِلافِ غيرِهم مِن كِبارِ السِّنِّ-: «مَنِ استَطاعَ منكمُ الْباءةَ، فَليتزَوَّجْ»، والباءةُ اسمٌ مِن أسْماءِ الوَطءِ أو المُرادُ بها مُؤنُ النِّكاحِ، أي: مَنِ استَطاعَ الزَّواجَ، ووجَدَ كُلْفتَه ومُؤنتَه فَلْيتزوَّجْ؛ فلا رَهْبانيَّةَ في الإسلامِ، وفي رِوايةِ الصَّحيحينِ: «فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»، فعلَّل صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ التزَوُّجَ أشَدُّ عَونًا للمَرءِ على غَضِّ البَصَرِ، وأدفَعُ لِعَينِ المتزَوِّجِ عن الحرامِ، وأشَدُّ إحصانًا للفَرْجِ. ولَمَّا عَلِمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ليسَ كلُّ شابٍّ يَملِكُ ما يَقدِرُ به على الزَّواجِ، ذَكَرَ لأُمَّتِه عِلاجَ ذلِكَ، فقال: «ومَن لم يَستطِعْ فعليه بالصَّومِ؛ فإنَّه له وِجاءٌ»، يعني: أنَّ مَن لم تكُنْ عِندَه مُؤنةُ الزَّواجِ، فلْيَلزَمِ الصَّومَ؛ فإنَّه مانِعٌ مِن الشَّهَواتِ، ومُفتِّرٌ لها، وقاطِعٌ لشَرِّها، كما يَفعَلُ الوِجاءُ، وهو رَضُّ الخُصْيتَينِ بحَجرٍ ونَحوِه لقَطْعِ شَهوةِ الذَّكَرِ، وسُمِّيَ الصَّومُ وِجاءً؛ لأنَّه يَفعَلُ فِعْلَه ويَقومُ مَقامَه في كَسرِ الشَّهوةِ، ومَن اعتادَ الصَّومَ سَكَنَتْ شَهوتُه؛ فشَهوةُ النِّكاحِ تابعةٌ لشَهْوةِ الأكْلِ؛ فإنَّه يَقْوى بقُوَّتِها، ويَضعُفُ بضَعْفِها
وفي الحَديثِ: عرْضُ الصَّاحِبِ النِّكاحَ على صاحِبِه، والإسرارُ بمِثلِه، وما كان عليه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مِن الحُبِّ والتراحُم فيما بيْنَهم
وفيه: نِكاحُ الشَّابَّةِ؛ فإنَّها ألذُّ استِمتاعًا، وأحسنُ عِشرةً، وأفكهُ مُحادثةً، وأجملُ مَنظرًا، وألينُ مَلْمَسًا، وأقربُ إلى أنْ يُعوِّدَها زَوجُها الأخلاقَ الحَسَنةَ
وفيه: مَشروعيَّةُ مُعالَجةِ الشَّهوةِ بما يُسكِّنُها لا بما يَقطَعُها
وفيه: فضْلُ الصَّومِ