باب أداء الدين عن الميت 2
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا شعيب بن إسحاق، حدثنا هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان
عن جابر بن عبد الله: أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر بن عبد الله، فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشفع له إليه، فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له عليه، فأبى عليه، فكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن ينظره، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النخل، فمشى فيها، ثم قال لجابر: "جد له، فأوفه الذي له"، فجد له بعد ما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين وسقا، وفضل له اثنا عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره بالذي كان، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غائبا، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه فأخبره أنه قد أوفاه، وأخبره بالفضل الذي فضل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخبر بذلك عمر بن الخطاب" فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليباركن الله فيها (1).
على المسلِمِ أنْ يَسْعى في حاجةِ أَخيهِ المُسلمِ، خاصَّةً لِمَنْ صرَّحَ بطَلَبِ العَونِ، ويَبْقى معَهُ حتَّى تَنتهِيَ حاجَتُه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ أباهُ عبدَ اللهِ بنَ حَرامٍ رَضيَ اللهُ عنه قدْ تُوفِّيَ يومَ أُحُدٍ وعلَيه دَينٌ قِيمتُه ثَلاثونَ وَسْقًا لرجُلٍ مِنَ اليَهودِ، قيل: اسمُه أبو الشَّحمِ، والوَسْقُ يُساوي ستِّينَ صاعًا، والصَّاعُ يُساوي أربعةَ أمدادٍ، والمُدُّ هو مِلءُ الكفَّينِ للرَّجلِ مُعتدِلِ الخِلْقةِ. فطَلبَ منه جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُنظِرَه ويَصبِرَ عليه مُدَّةً حتَّى يَستطيعَ سَدادَ الدَّينِ، فرَفَضَ اليهوديُّ الانتظارَ، فكلَّمَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيَشفَعَ له عندَ ذلك اليَهوديِّ فيُؤخِّرَه مُدَّةً، فكَلَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا اليَهوديَّ؛ لِيَأخُذَ ثَمَرَ النَّخلِ الَّذي عندَ جابرٍ بالدَّينِ الَّذي له، فَرفَضَ اليَهوديُّ، فدخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المكانَ الَّذي فيه نَخْلُ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه ومَشى فيه، وتَحقَّق أنَّ تَمْرَ النَّخلِ لا يَفِي بالدَّينِ، وأنَّه أقلُّ ممَّا كان عليه، ثُمَّ قال لِجابرٍ رَضيَ اللهُ عنه: اقْطَعْ له مِن ثَمرِ النَّخلِ وأَعْطِه دَينَه، فقَطَعَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه مِن ثَمرِ النَّخلِ، فَأعطى الرَّجلَ دَينَه ثَلاثِينَ وَسَقًا الَّتي كانت له دَينًا في ذِمَّةِ أبيهِ، وتَبقَّى لجابرٍ بعْدَ ذلك سَبْعةَ عَشَرَ وَسْقًا، ببَرَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فجاءَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليُخبِرَه بما حصَلَ مِن البَرَكةِ الَّتي حلَّتْ في نَخْلِه، فوَجَدَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي العصْرَ، فلمَّا انْتَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن صَلاتِه أخْبَرَه جابرٌ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أخْبِرْ ذلك ابنَ الخطَّابِ»، فذَهَبَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه إلى عُمرَ رَضيَ اللهُ عنه وأخبَرَه بما حدَثَ، فقال له عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه: لَقدْ عَلِمتُ حِين مَشى فيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَتَحُلَّنَّ البَرَكةُ على النَّخلِ. وخَصَّ عمَرَ بذلك؛ لأنَّه كان مُهْتمًّا بقِصَّةِ جابرٍ.
وفي الحديثِ: مَشْيُ الإمامِ في حَوائجِ رَعيَّتِه، وشَفاعتُه عندَ بَعضِهم في بَعضٍ.
وفيه: عَلَمٌ ظاهرٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ؛ بتَكثيرِ القليلِ إلى أنْ حَصَل به وَفاءُ الكثيرِ وفضَلَ مِنه.