باب إثم مانع الزكاة 1
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت؛ إذا هو لم يعط فيها حقها؛ تطأه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كان؛ إذا لم يعط فيها حقها؛ تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، قال: ومن حقها أن تحلب على الماء (2)، قال: ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت، ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء، فيقول: يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت".
المالُ زِينةُ الحياةِ الدُّنيا، وقد بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحُقوقَ الواجبةَ على مَن ملَكَ مالًا وافرًا؛ مِن الزَّكاةِ والصَّدقةِ، وبيَّن ما لَه مِن الفضْلِ والأجْرِ على ذلك، كما بيَّنَ عُقوبةَ مانعِ هذه الحُقوقِ.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن لم يُؤدِّ زكاةَ مالِه مِن الأنعامِ -مِثل الإبلِ وغيرِها- فإنَّها تأتي يومَ القِيامةِ أعظَمَ ما كانتْ عندَ الَّذي منَع زكاتَها؛ لأنَّها قد تكونُ عندَه على حالاتٍ؛ مرَّةً هزيلةً ومرَّةً سمينةً، ومرَّةً صغيرةً ومرَّةً كبيرةً، فأخبَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها تأتي على أعظَمِ أحوالِها عندَ صاحبِها، فتطَؤُه وتنطَحُه، وتَمْشي عليه وتَضرِبُه بنِهاياتِ أرْجُلِها، فإنْ كانت جمالًا مشَتْ عليه بأخفافِها، والخُفُّ هو الجزءُ المرِنُ الذي يكونُ في نِهايةِ رِجْلِ الجَمَلِ، وإنْ كانت غنَمًا فإنَّها تَدوسُه بأظلافِها، وهي أظفارُها وأرجُلُها، والظِّلْفُ مِثلُ الظُّفرِ، وهو العَظْمُ الناتئُ في أطرافِ أقدامِ البقرِ والغنَمِ، وكذلك تَنطَحُه بقُرُونِها.
ثمَّ بيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ الحُقوقِ الواجبةِ في هذا الأنعامِ، ومِن حقِّها أن تُحلَبَ على الماءِ؛ لتَسقيَ ألبانُها أبناءَ السَّبيلِ والمساكينَ الَّذين يَنزِلون على الماءِ، ولأنَّ فيه الرِّفقَ على الماشيةِ؛ لأنَّه أهْوَنُ لها، وأوسَعُ عليها.
ثمَّ حذَّر نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن لم يؤَدِّ الزَّكاةَ أنَّه لا يملِكُ له مِن اللهِ شيئًا يومَ القِيامةِ، حيثُ بلَّغَه حُكْمَ اللهِ في فِعلِه، فقال: «ولا يَأْتي أحَدُكُم يَومَ القِيامةِ بشاةٍ» مِن الغنَمِ أو الماعِزِ يَحْمِلُها على رَقَبتِه لها يُعَارٌ، وهو صَوتُ الماعزِ، فيأتي إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ القيامةِ لِيَشفَعَ له عِندَ اللهِ تعالَى، فيقولُ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا»؛ وذلك أنَّه قد بلَّغَ وأخبَرَ في الدُّنيا بسُوءِ العاقبةِ لِمَن منَعَ الزَّكاةَ وحقَّ اللهِ تعالَى، وكذلك صاحِبُ الإبلِ والجِمالِ الذي لا يؤدِّي حُقوقَ اللهِ فيها، فإنَّه يَأْتي يومَ القِيامةِ ببَعِيرٍ مِن الجِمالِ يَحمِلُه على رَقَبتِه وللبَعيرِ رُغَاءٌ وهو اسمُ صوتِ البَعيرِ وهو صَوتٌ عالٍ، فيأتي إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ القِيامةِ لِيَشفعَ له عِندَ اللهِ تعالَى، فيقولُ له مِثلَ ما قال لصاحبِ الغنَمِ.
ولا يختصُّ صاحبُ الإبِلِ والغنَمِ بسُوءِ عاقبةِ منْعِ زكاتِها؛ فقد ورَدَ في السُّنَّةِ أنَّ كلَّ نَوعٍ مِن أنواعِ المالِ فيه زكاةٌ، وفي كلٍّ الوَعيدُ إذا منَعَ الزَّكاةَ فيها.
وفي الحديثِ: أنَّ العبدَ إذا لم يشكُرِ النِّعمةَ ويؤَدِّ حَقَّ اللهَ تعالَى فيها تكونُ نِقمةً ووبالًا عليه يومَ القِيامةِ.
وفيه: ما يدُلُّ على أنَّ اللهَ تعالَى يبعَثُ الإبلَ والبقرَ والغنَمَ الَّتي مُنِعَتْ زكاتُها بعَيْنِها؛ ليُعذِّبَ بها مانعَها.