باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال
بطاقات دعوية
عن أبي قتادة قال: انطلقنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية [نحو مكة 6/ 202]، (وفي طريق: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (القاحة) (2)، من المدينة على ثلاث 2/ 211)، فأحرم أصحابه ولم أحرم، (وفي رواية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -خرج حاجا (3)، فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة، فقال: خذوا ساحل البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا، أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم). فأنبئنا بعدو بـ (غيقة) (4)، (وفي رواية: وحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عدوا يغزوه، فانطلق النبي - صلى الله عليه وسلم -)، فتوجهنا نحوهم.
(وفي رواية: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في منزل في طريق مكة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم 3/ 129)، فبصر أصحابي بحمار وحش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، [وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته]، فنظرت، (وفي رواية: فالتفت) فرأيته، [فقمت إلى فرس [يقال له: الجرادة 3/ 216]، فأسرجته، ثم ركبت، ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا والله، لا نعينك عليه بشيء [إنا محرمون]، فغضبت، فنزلت، فأخذتهما، ثم ركبت]، [ثم أتيت الحمار من وراء أكمة]، [وكنت رقاء على الجبال]، فحملت عليه الفرس، فطعنته فأثبته (5) (وفي طريق ثالثة: فلم يكن إلا ذاك حتى عقرته/ 222)، فاستعنتهم، فأبوا أن يعينوني، (وفي طريق: فأتيت إليهم، فقلت لهم:
قوموا فاحتملوا، قالوا: لا نمسه، فحملته حتى جئت به) [أصحابي] [وقد مات] [فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا]، فأكلنا منه (وفي طريق: فأكل منه بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبى بعض 3/ 230)، [ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم]، [فقلت: أنا أستوقف لكم النبي - صلى الله عليه وسلم -]، [فرحنا وخبأت العضد معي].
ثم لحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخشينا أن نقتطع (6)، [فطلبت النبي - صلى الله عليه وسلم -]، أرفع (7) فرسي شأوا، وأسير عليه شأوا، فلقيت رجلا من بني غفار في جوف الليل، فقلت: أين تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: تركته بـ (تعهن) (8)، وهو قائل السقيا، فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيته، فقلت: يا رسول الله! إن أصحابك أرسلوا يقرؤون عليك السلام ورحمة الله، وإنهم قد خشوا أن يقتطعهم العدو، فانظرهم (وفي رواية: فانتظرهم)، ففعل.
فقلت: يا رسول الله! إنا اصدنا (9) حمار وحش، وإن عندنا منه فاضلة، (وفي رواية: فسألناه عن ذلك؟ فقال: "معكم منه شيء؟ "، فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكلها حتى نفدها، وهو محرم. وفي أخرى: فحملنا ما بقي من لحمالأتان، فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله! إنا كنا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم، فرأينا حمر وحش، فحمل عليها أبو قتادة، فعقر منها أتانا، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل لحم صيد، ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها، قال: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ ". قالوا: لا)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحايه:
" [إنما هي طعمة أطعمكموها الله]، [ف] كلوا [ما بقي من لحمها] "، وهم محرمون
هناك أحكامٌ وآدابٌ يَجِبُ على المُحرِمِ الالتزامُ بها؛ حتَّى تَتِمَّ عِبادتُه على الوجْهِ الأكمَلِ وَفْقَ مُرادِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِن هذه الأحكامِ تَحريمُ صَيدِ البرِّ حالَ الإحرامِ؛ قال تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95].
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أبو قَتادةَ الحارثُ بنُ رِبعيٍّ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم خَرَجوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عُمرةِ الحُدَيبيةِ في العامِ السادسِ الهِجريِّ، وفي طَريقِهم لِمكَّةَ بَلَغَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ عدُوًّا مِن المشركينَ يُريدُ أنْ يَغْزُوَه، فأرْسَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَستطلِعَ أمْرَ هذا العدُوِّ في طائفةٍ مِن الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم، فلمَّا كانوا بالقَاحَةِ -وهي مَوضعٌ قَريبٌ مِن المدينةِ المنوَّرةِ- وجَدَهم يَنظُرون إلى حِمارٍ وَحْشيٍّ، وكان أبو قَتادةَ وبَعضُ أصحابِهِ غيرَ مُحرِمينَ، والبعضُ الآخَرُ مُحرِمينَ، فانطلَقَ إليه أبو قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه لِيَصطادَه، فسَقَط السَّوطُ منه، فطَلَب منهم مُناوَلتَه السَّوطَ، فرَفَضوا؛ لأنَّهم مُحرِمون، ليس لهم الإشارةُ ولا الإعانةُ على قَتْلِ الصَّيدِ، وكذلك الدَّلالةُ عليه، وكلُّ سَببٍ يُؤدِّي إليه، فأخَذَ أبو قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه السَّوطَ بنفْسِه، فجاءَ إلى الحِمارِ وهو وَراءَ الأَكَمَةِ -وهي التَّلُّ المُرتفِعُ مِن الأرضِ- فعَقَره، وحَمَلَه إلى أصحابِه، فاختلَفَ أصحابُه المُحرِمون؛ فرَأى بَعضُهم جَوازَ الأكلِ منه، ورأى البعضُ الآخَرُ عدَمَ جَوازِه؛ لكونِهِم مُحرِمين، وإنْ لم يُشارِكوا في الصَّيدِ، فجاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان قد سَبَقَهم، فَسَأَله أبو قَتادةَ، فأجابَهُ بأنْ يَأكُلوا منه؛ فهو حَلالٌ لهم ما دامُوا لم يُشارِكوا في صَيدِه.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ أكْلِ لُحومِ الحُمُرِ الوَحشيَّةِ.
وفيه: بَيانُ ما يَجوزُ أكْلُه للمُحرِمِ مِن الصَّيدِ، وهو الذي صادَه الحلالُ، دونَ أنْ يُساعِدَه المُحرِمُ عليه بشَيءٍ.