باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته
بطاقات دعوية
كان الصحابة رضي الله عنهم يتناصحون فيما بينهم، وكان بعضهم يطلب من الآخرين تعليمه السنة النبوية حتى يتبعها وينفذ أحكامها
وفي هذا الحديث يروي وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كتب إلى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه -وكان أميرا لمعاوية على الكوفة- أن اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه المغيرة رضي الله عنه: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر -أي: بعد التسليم- من كل صلاة فريضة: «لا إله إلا الله» فلا معبود بحق إلا هو سبحانه، «وحده لا شريك له» في ملكه ولا في خلقه، «له الملك» المطلق، «وله الحمد» الكامل، «وهو على كل شيء قدير» فلا يعجزه شيء في ملكه، «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت»، أي: لا يستطيع أحد أن يمنع ما أردت إعطاءه لأحد من خلقك، ولا يملك أحد أن يعطي من أردت منعه، كما جاء في قول الله تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} [فاطر: 2]، «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» الجد: هو الحظ والغنى، أي: لا ينفع ذا الحظ حظه، ولا ذا الغنى غناه، وإنما ينفعه العمل الصالح
وهذا الذكر اشتمل على توحيد الله سبحانه، ونفى الشريك معه، وإثبات الملك المطلق، والحمد الكامل والقدرة التامة له سبحانه وتعالى، كما أن فيه توحده بالتصرف والقهر، وأن كل شيء بيده، فقد جمع توحيد الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات.
ثم أخبر المغيرة معاوية رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن «قيل وقال»، ويقصد به حكاية أقاويل الناس عامة، وحكاية الاختلاف في أمور الدين، ويدخل فيها الغيبة والنميمة وكل كلام لا داعي له، والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطأ، ويؤيد ذلك الحديث الصحيح: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع»، أخرجه مسلم. ونهى أيضا عن كثرة السؤال، أي: المسائل التي لا حاجة لها، أو كثرة السؤال في العلم عما في الدنيا أو الآخرة، بالسؤال عن المشكلات التي تعبدنا بظاهرها، أو كثرة سؤال الناس عن أحوالهم حتى يوقعهم في الحرج، أو كثرة سؤال الناس أموالهم من غير حاجة
ونهى عن إضاعة المال بصرف المال في غير محله وحقه ووجوهه الشرعية، بإنفاقه في المعاصي، والإسراف فيما لا يرضي الله، والعدل في النفقة هو الأخذ بالوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وبما يكون به بناء مصالح الدنيا والآخرة.
وكذلك كان ينهى صلى الله عليه وسلم عن «عقوق الأمهات» بالإساءة إليهن وعدم الإحسان لهن، وتخصيص العقوق بالأمهات مع امتناعه في الآباء أيضا؛ لأجل شدة حقوقهن ورجحان الأمر ببرهن بالنسبة إلى الآباء، ونهى كذلك عن «وأد البنات»، أي: دفنهن أحياء، وكان بعض العرب يفعل ذلك خشية العار وخشية الفقر، فحرمه الله وقال لهم: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا} [الإسراء: 31]، وهو من الكبائر الموبقات؛ لأنه قتل نفس بغير حق، ويتضمن أيضا قطيعة الرحم، وإنما اقتصر على البنات؛ لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله غالبا
«ومنع وهات»، أي: منع الحق وما شرع الله إعطاءه، وطلب الباطل وأخذ ما شرع الله منعه، أو منع الواجب عليك من الحقوق، وأخذ ما لا يحل، وسؤال المرء ما ليس له
وفي الحديث: طلب كتابة العلم، والجواب عنه، وأخذ بعض الصحابة عن بعض
وفيه: دليل على فضل الكفاف على الفقر والغنى؛ لأن ضياع المال يؤدي إلى الفتنة بالفقر وكثرة السؤال، وربما خشي من الغنى الفتنة