باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته
بطاقات دعوية
كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس حرصا على الأعمال الصالحة، وثوابها، وعلى ما يرفع درجاتهم، وينالون به رضا الله عز وجل
وفي هذا الحديث صورة من صور هذا الحرص، حيث يحكي أبو هريرة رضي الله عنه أن فقراء المسلمين جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أصحاب الأموال الكثيرة بالدرجات العالية الرفيعة، والنعيم المقيم الدائم؛ ذلك أنهم يصلون كما نصلي الفرض والنفل، ويصومون كما نصوم؛ وعليه فإن صلاتهم وصومهم مثل صلاتنا وصومنا، فصرنا نحن وهم متساوين في الأجر، ولهم فضل من أموال، يعني: أن لهم قدرا زائدا من المال؛ يحجون به، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يجبرون به هذا النقص، فقال: ألا أحدثكم وأخبركم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم إلى الدرجات العالية فتساووه في الدرجة والفضل، ولم يدرككم أحد من بعدكم في الفضل ممن لا يعمل هذا العمل، وكنتم خير من أنتم بينهم، إلا من عمل مثله، فربما صار خيرا منكم أو مثلكم؟ قيل: إن مقصود الفقراء منه تحصيل الدرجات العلى والنعيم المقيم لهم أيضا، لا نفي زيادة الأغنياء مطلقا؛ لأن الأغنياء إذا قاموا بهذا العمل يترجحون به أيضا.ثم أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف وعقب كل صلاة مكتوبة ثلاثا وثلاثين مرة، وقوله: «فاختلفنا بيننا» ظاهره أن أبا هريرة رضي الله عنه هو القائل، وكذا قوله: «فرجعت إليه» وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالخلاف في ذلك وقع بين الصحابة. وقد جاء في رواية مسلم: قال سمي -الراوي عن أبي صالح-: فحدثت بعض أهلي هذا الحديث، فقال: وهمت، إنما قال «تسبح الله ثلاثا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتكبر الله ثلاثا وثلاثين»، فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك، فأخذ بيدي فقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى تبلغ من جميعهن ثلاثة وثلاثين. فقال بعضنا: نسبح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر أربعا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: تقول: «سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين»؛ ففيه أن سميا هو الذي رجع إلى أبي صالح، وأن الذي خالفه بعض أهله
وفي الحديث: فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، خاصة بعد الصلاة
وفيه: فضيلة الصدقة، وعظم أجرها