باب استحقاق القاتل سلب القتيل
بطاقات دعوية
فقال: من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه فقمت فقلت: من يشهد لي ثم جلست ثم قال: من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه فقمت فقلت: من يشهد لي ثم جلست ثم قال الثالثة مثله فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلبه عندي، فأرضه عني فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لاها الله، إذا يعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق فأعطاه، فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام
شب أطفال المهاجرين والأنصار على الإسلام النقي؛ فقد رباهم الصحابة رضي الله عنهم، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، وشهدوا نبي الله تعالى يمشي بينهم، فنشؤوا على حبه وتعلموا فداءه بأنفسهم من صغرهم
وفي هذا الحديث صورة من هذه الصور، يخبر بها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، حيث كان واقفا في الصف يوم غزوة بدر التي وقعت بين المسلمين ومشركي قريش في السنة الثانية من الهجرة، فنظر عن يمينه وشماله، فوجد غلامين من الأنصار صغار السن، فتمنى أن لو كان واقفا بين رجلين أشد وأقوى منهما؛ لأن الكهل أصبر في الحروب وأصلح لمجاوره من المحاربين، وكان معاذ بن عمرو بن الجموح أحد الغلامين، والغلام الآخر كان معاذ ابن عفراء رضي الله عنهما، فغمزه أحدهما بأن أشار إليه بعينه أو لمسه بيده، وسأله: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ فأجابه له عبد الرحمن: نعم، لماذا تسأل عنه يا ابن أخي؟ فقال الغلام: أخبرت أنه يسب رسول الله، ثم أقسم أنه إذا رآه لن يفارقه حتى يموت الأقرب أجلا منهما، فتعجب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لقول الغلام هذا؛ لأنه يدل على كمال شجاعته، ثم غمزه الغلام الآخر وقال له مثل ما قال الأول، فلم يمر وقت طويل حتى رأى عبد الرحمن أبا جهل وهو يجول في الناس ويتحرك بين قومه من الكفار ولا يستقر في مكان، فأشار إليهما عليه، وأخبرهما أن هذا هو أبو جهل الذي سألا عنه، فابتدراه بسيفيهما، يعني: أسرعا إلى ضربه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه بقتلهما أبا جهل، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: «أيكما قتله؟ قال كل واحد منهما: أنا قتلته»، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: «هل مسحتما سيفيكما؟» من الدم الذي عليه، فقالا: لا، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين ليرى مقدار عمق دخولهما في جسم المقتول، وأيهما أقوى تأثيرا في إزهاق روحه، وليحكم بالسلب لمن كان أبلغ في قتله، ولو مسحا سيفيهما لما تبين المراد من ذلك، ثم أخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن كل واحد منهما اشترك في قتله مع أخيه، ثم جعل سلبه وعتاده لمعاذ بن عمرو بن الجموح؛ لأنه علم أن سيفه هو الذي قضى عليه، وإنما قال لهما: «كلاكما قتله» تطييبا لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في القتل، وما يترتب عليه من الثواب والأجر الكثير، وإن كان بينهما تفاوت في السبق والتأثير
وفي الصحيحين أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وجد أبا جهل وبه رمق، فأجهز عليه، وحز رأسه
وفي الحديث: أن السلب لا يخمس دائما، بل يعطى للقاتل
وفيه: مشروعية إثبات الحقوق المالية بالقرائن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استدل بالدم الذي على السيف على من قتل أبا جهل، وحكم له بالسلب
وفيه: المبادرة إلى الحرب والغضب لله ولرسوله
وفيه: ستر نية الإنسان ما يريد به من الخير عن غيره؛ مخافة أن يسبق إليه
وفيه: أنه ينبغي ألا يحتقر أحد؛ فقد يكون بعض من يستصغر عن القيام بأمر أكبر مما في النفوس، وأحق بذلك الأمر
وفيه: أن للحاكم والقاضي أن ينظر في شواهد الأحوال؛ ليترجح عنده قول أحد المتداعيين