باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وحانَت صلاةُ العصرِ، فالتَمسَ الناس الوَضوءَ، فلَم يجدُوه، [فقام من كان قريبَ الدار من المَسجد] [إلى أهله ] [يتوضأ، وبقي قومٌ]، فأُتيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بوَضوءٍ، فوضَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الإناءِ يدَهُ، (وفي طريقٍ: فأُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمِخضَبٍ من حِجارةٍ فيه ماءٌ، فوضعَ كَفَّهُ، فصَغُرَ المخضبُ أن يبسطَ كفَّه، فضم أصابعه، فوضعها في المخضب)، وأمرَ الناسَ أن يتوضَّؤوا منه، قالَ: فرأَيتُ الماءَ ينْبُعُ من تحتِ أصابعهِ، حتى توضَّؤُوا مِن عِندِ آخِرهِم. [قلنا: كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة]
لقدْ أيَّدَ اللهُ سُبحانه نَبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالآياتِ والمُعجِزاتِ الدَّالَّةِ على صِدْقِه في دَعوتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ووافِرِ بَرَكتِه، وعظيمِ مَنزِلَتِه عند رَبِّه؛ ليُؤمِنَ من جحد من النَّاسِ رِسالتَه، ويزدادَ الذين آمنوا إيمانًا.
وفي هذا الحديثِ تَظهَرُ إحدى عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وآثارِ بَرَكتِه فيما يَضَعُ فيه يَدَه الكريمةَ الشَّريفةَ؛ فيَروي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد حضر وَقتُ صَلاةِ العَصرِ، وكانوا في غَزوةِ الحُدَيبيَةِ في العامِ السَّادِسِ من الهِجرةِ، ولم يكُنْ معهم غيرُ قَدْرٍ قَليلٍ مِن الماءِ، فوُضِعَ هذا الماءُ في إناءٍ، ثم أدخَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه الشَّريفةَ في هذا الماءِ، وفرَّق النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيْن أصابعِه، فانفجر الماءُ وتدَفَّق من بينِ أصابِعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ دعا النَّاسَ للوُضوءِ، فقال: «حَيَّ على أهْلِ الوَضوءِ، البَرَكَةُ مِنَ اللهِ»، والوَضوءِ -بفَتْح الواوِ- اسمٌ لِمَا يُتوَضَّأُ به، وهو نداءٌ بالإسراعِ لِمَن يُريد الوُضوءَ للصَّلاةِ، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «البَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ» بيانٌ لفَضلِ اللهِ وكَرَمِه، والمعنى: هذا الذي ترَونَه من زيادةِ الماءِ إنَّما هو من فَضلِ اللهِ وبركَتِه، ليس منِّي، وهو الموجِدُ للأشياءِ لا غَيرُه.
فتَوضَّأ النَّاسُ كلُّهم من هذا الماءِ المتفَجِّرِ من بين أصابِعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشرِبوا مِنه، وكان عددُهم ألفًا وأربعَمائةِ رجُلٍ، وفي روايةٍ أُخرى: أنهم كانوا ألفًا وخمسَمائةِ رَجُلٍ، شَرِبوا وتَوضَّؤوا كلُّهم مِن هذا القَدرِ اليَسيرِ مِن الماءِ المُبارَك، الذي كثَّره اللهُ وأجراه لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على غيرِ ما جرت به العادةُ.
ولَمَّا رأى جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه بَرَكةَ الماءِ، ظلَّ يَشرَبُ قَدْرَ المستطاعِ، وهو معْنى قولِه رَضِيَ اللهُ عنه: «فجعلتُ لا آلُو ما جعَلْتُ في بَطْني منه»، فالمرادُ أنَّه جعَل يَستكثرُ مِن شُربِه مِن ذلك الماءِ؛ لأجْلِ البركةِ الَّتي رآها.
وفي الحَديثِ: إثباتُ مُعجزةِ نَبعِ الماءِ مِن بَينِ أصابِعِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: تبرُّكُ الصَّحابةِ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.