باب: الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع 2
سنن النسائي
أخبرنا هارون بن زيد بن يزيد يعني ابن أبي الزرقاء، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعيا فأتى رجلا فآتاه فصيلا مخلولا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثنا مصدق الله ورسوله، وإن فلانا أعطاه فصيلا مخلولا، اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله»، فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء فقال: أتوب إلى الله عز وجل وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك فيه وفي إبله»
الزَّكاةُ رُكنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، وقد حَدَّد الشَّرعُ ما تَجِبُ فيه الزَّكاةُ، مِن الأموالِ والعُروضِ والزُّروعِ والثِّمارِ، كما قد بيَّن أنَّ هناك أشياءَ مَعفُوًّا عن الزَّكاةِ فيها، وكذلك أمَر المتصدِّقين والمزكِّين بإخراجِ الزَّكاةِ ممَّا يُحِبُّونه مِن أموالِهم ومِن أوسَطِها، وعدَمِ الشُّحِّ والبُخلِ وإخراجِ الرَّديءِ حتَّى يُبارِكَ اللهُ في الأموالِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ وائلُ بنُ حُجْرٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعَث ساعيًا"، أي: أرسَل مَن يَجمَعُ الزَّكاةَ مِن آحادِ النَّاسِ أصحابِ الأموالِ، "فأتى رجُلًا، فآتاه فَصيلًا مَخلولًا"، أي: فأعْطَى صاحبُ المالِ لِساعي النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وليدًا مِن أولادِ الإبِلِ أو البقَرِ مَهزولًا ضَعيفًا، وسُمِّي مَخلولًا؛ لأنَّه جُعِل في أنفِه خِلالٌ وتَشقُّقاتٌ، وشُقِّق لِسانُه لِئلَّا يَرضَعَ مِن أمِّه فتُهْزَلَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "بعَثْنا مُصدِّقَ اللهِ ورسولِه وإنَّ فلانًا أعطاه فَصيلًا مَخلولًا! اللَّهمَّ لا تُبارِكْ فيه ولا في إبِلِه"، أي: فدعا عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ لأنَّه أعطى مالًا رَديئًا، لا يَقبَلُه أحدٌ إذا أُهدِي إليه، فما بالُكم وهذا المالُ هو صدَقةٌ وزَكاةٌ تَخرُجُ للهِ؟! وبِسبَبِها يَزْكو المالُ ويَكثُرُ، والزَّكاةُ سَببٌ لتطهيرِ صاحبِها وتَزكيتِه، ولصَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عليه كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} الآية [التوبة: 103]؛ فلمَّا أعرَض عن ذلك كلِّه استحَقَّ الدُّعاءَ عليه
قال: "فبلَغ ذلك الرَّجُلَ"، أي: بلَغَ صاحِبَ المالِ ما دعَا به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه، "فجاء بناقةٍ حَسْناءَ"؛ إرضاءً لرسولِ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عمَّا بدَرَ منه، "فقال: أتوبُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وإلى نبيِّه، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللَّهمُّ بارِكْ فيه، وفي إبِلِه"، وكأنَّ النَّبيَّ لَمَّا رأى توبةَ الرَّجلِ صادقةً وأنَّه لن يَعودَ لمِثْلِ فِعلِه دعا له بالبرَكةِ؛ لأنَّ دُعاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُستجابٌ، وهو مأمورٌ بالدُّعاءِ لهم كما قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]، أي: إنَّ دُعاءَك واستغفارَك طُمأنينةٌ لهم، بأنَّ اللهَ قد عفَا عنهم وقَبِلَ تَوبتَهم
وفي الحديثِ: الحثُّ على إخراجِ الزَّكاةِ والصَّدقاتِ مِن أوسَطِ المالِ، والبُعدِ عن أردَئِه؛ لأنَّ الصَّدقاتِ والزَّكواتِ إنَّما تقَعُ في يَدِ اللهِ أوَّلًا