باب الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم19-1
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: " قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ". هذا حديث حسن صحيح
وفي هذا الحديثِ أنَّ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها سألَتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن لَيلةِ القَدْرِ، فقالتْ: "إنْ وافَقْتُها"، أي: إنْ أدرَكْتُ ليلةَ القدْرِ، كما في رِوايةِ التِّرمذيِّ وابنِ ماجه، ولَيلةُ القَدْرِ في العشْرِ الأواخِرِ مِن شَهرِ رمضانَ، وتكونُ في اللَّيالي الوِتريَّةِ، وتُعرَفُ لمَن أحْياها وأقامَها بعلاماتِها؛ ومنها: أنَّها ليلةٌ صافيةٌ، لا حارَّةٌ ولا باردةٌ، وتَطلُعُ الشَّمسُ عقِبَها لا شُعاعَ لها مُنتشرَ في الآفاقِ، وسُمِّيَت بذلك؛ لعِظَمِ قَدْرِها؛ لنُزولِ القرآنِ والملائكةِ فيها، وقيل: لأنَّ الذي يُحْييها يكونُ له قَدْرٌ بذلك، وقيل: القدْرُ مأخوذٌ مِن التَّضييقِ، والذي يُرادُ هنا إخفاءُ يَومِها عن الناسِ، وقيل: لتَقديرِ أفعالِ السَّنةِ بها؛ فتُكتَبُ فيها أقدارُ تلك السَّنةِ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ اللَّفظُ مأخوذًا مِن بعضِ تلك المعاني أو كلِّها، "فبِمَ أدْعو؟" أي: ما يَفضُلُ مِن الدُّعاءِ في تلك اللَّيلةِ؟ فأرشَدَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أفضَلِ أنواعِ الدُّعاءِ في تلك اللَّيلةِ، وهو: "اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ"، والعفْوُ هو التَّجاوُزُ عن السَّيِّئاتِ، "تُحِبُّ العفْوَ"، أي: تُحِبُّ ظُهورَ هذه الصِّفةِ، "فاعْفُ عنِّي"، أي: تجاوَزْ عنِّي واصفَحْ عن زَلَلي؛ فإنِّي كثيرُ التَّقصيرِ، وأنت أَولى بالعفْوِ الكثيرِ، وعفْوُ اللهِ تعالى يكونُ في الدُّنيا والآخرةِ، وهذا مِن آدابِ الدُّعاءِ؛ أنْ يُثنِيَ العبدُ على ربِّه سُبحانَه بصِفةٍ تُناسِبُ طَلبَه، وهذا الدُّعاءُ مِن جوامعِ الكلِمِ، ومَن دَعا به حاز خَيريِ الدُّنيا والآخرةِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفَةِ العفْوِ والمَحبَّةِ للهِ تعالى كما يَلِيقُ بجَلالِه.
وفيه: الحثُّ على الدَّعواتِ المباركاتِ لا سيَّما في الأوقاتِ الفاضلاتِ.
وفيه: بيانٌ لحِرْصِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها على التَّعلُّمِ مِن هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلى مَعرفةِ أبوابِ الخيرِ .