‌‌باب الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم19-2

سنن الترمذى

‌‌باب الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم19-2

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله عز وجل، قال: «سل الله العافية»، فمكثت أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله، فقال لي: «يا عباس يا عم رسول الله، سل الله، العافية في الدنيا والآخرة».: هذا حديث صحيح، وعبد الله بن الحارث بن نوفل قد سمع من العباس بن عبد المطلب

كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عَنهم يَحرِصون على التَّعلُّمِ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فكانوا يَسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويتعلَّمون مِنه للفوزِ والنَّجاةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ رضِيَ اللهُ عَنه: قلتُ: "يا رسولَ اللهِ، علِّمني شيئًا أسأَلُه اللهَ"، أي: علِّمني كيف أسأَلُ اللهَ، وماذا أطلُبُ منه، وماذا أدعو به، "قال"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للعبَّاسِ: "سَلِ اللهَ العافيةَ"، أي: اطلُبْ مِن اللهِ العافيةَ، والعافيةُ هي السَّلامةُ والمعافاةُ مِن كلِّ شرٍّ ومرضٍ وبلاءٍ، والمعنى المصاحِبُ لذلك: واحْذَروا سُؤالَ البلاءِ؛ "فإنَّ أحَدًا لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيرًا مِن العافيةِ، فمكَثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ"، أي: فظَلِلتُ أيَّامًا بعدَ طلَبي هذا ثمَّ جئتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مرَّةً أخرى، "فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، علِّمني شيئًا أسأَلُه اللهَ"، أي: علِّمْني كيف أسألُ اللهَ، وماذا أطلُبُ منه، وماذا أدعو به، "فقال لي"، أي: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للعبَّاسِ: "يا عبَّاسُ، يا عمَّ رسولِ اللهِ"، وهذا مِن بابِ تَودُّدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لعَمِّه العبَّاسِ رضِيَ اللهُ عَنه، "سَلِ اللهَ العافيَةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ"، أي: اطلُبْ مِن اللهِ العافيةَ في الدُّنيا والعافيةَ في الآخرةِ؛ فإنَّ العافيةَ هي النَّجاةُ والفلاحُ في الدُّنيا والآخرةِ، وتَكْرارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نفْسَ الإجابةِ للعبَّاسِ حين سأَله للمرَّةِ الثَّانيةِ يدُلُّ على أنَّ العافيةَ هي خيرُ ما يَسأَلُ العبدُ ربَّه، وأنَّ الدُّعاءَ بالعافيةِ لا يُساويه شيءٌ مِن الأدعيَةِ ولا يَقومُ مَقامَه شيءٌ مِن الكلامِ الَّذي يُدْعى به ذو الجلالِ والإكرامِ، والعافيةُ هي دِفاعُ اللهِ عن العبدِ، فالدَّاعي بها قد سأَل ربَّه دِفاعَه عن كلِّ ما يَنْويه.
وفي الحديثِ: بيانُ فَضلِ العافيةِ وأنَّ فيها جِماعَ الخيرِ في الدُّنيا والآخرةِ.