‌‌باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين2

حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أبي الدرداء، أن رجلا أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها، قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» قال: وقال ابن أبي عمر: ربما قال سفيان: إن أمي وربما قال: أبي، وهذا حديث صحيح وأبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله بن حبيب
‌‌

أمَرَنا الشَّرعُ الحَكيمُ بالعدْلِ والإنصافِ، وإيتاءِ كلِّ ذي حَقٍّ حقَّه، دونَ جَورٍ أو إجحافٍ بحقوقِ طرَفٍ على آخرَ؛ وذلك لأنَّ الحُقوقَ ربَّما تتداخَلُ أو يتنافَسُ فيها بعضُ أصحابِ الحقوقِ علينا، وفي هذا الخبرِ يروي شُعبةُ، عن عطاءِ بنِ السَّائبِ، عن أبي عبدِ الرَّحمنِ السُّلميِّ: "أنَّ رجُلًا أمَرَه أبوه- أو أمُّه، شكَّ شُعبةُ- أنْ يُطلِّقَ امرأتَه"، أي: أمَرَه أحدُ والدَيْه أنْ يُطلِّقَ زوجتَه دونَ سبَبٍ شرعيٍّ، "فجعَلَ عليه مِئةَ مُحرَّرٍ"، أي: نذَرَ أنْ يُعْتُقَ مِئةَ نفْسٍ إنْ طلَّقَها، يُريدُ بذلك أنْ يُشْفِقَ عليه أبوه، أو أمُّه، أو هما معًا، مِن غَرامةِ العتْقِ، وتنازُلَهما عن إلْزامِه بطلاقِ زَوجتِه الَّتي يُحبُّها، والظَّاهرُ: أنَّ الآمِرَ مِن الوالدينِ لم يتنازَلْ عن أمْرِه؛ ولذلك جاء الرَّجلُ إلى أبي الدَّرداءِ يَستَفْتِيه في أمْرِه، "فأتى أبا الدَّرداءِ، فإذا هو يُصلِّي الضُّحى ويُطيلُها، وصلَّى ما بين الظُّهرِ والعصْرِ"، أي: صلَّى تطوُّعًا غيرَ صلاةِ الضُّحى؛ لأنَّ وقتَها مِن ارتفاعِ الشَّمسِ قيْدَ رُمْحٍ إلى الزَّوالِ، "فسأَلَه"، أي: طلَبَ فَتواهُ في الجمْعِ بين نذْرِه وإجابةِ والدَيْه في طلاقِ امرأتِه، فقال أبو الدَّرداءِ: "أوْفِ بنذْرِك"، أي: أدِّ ما نذَرْتَه وأعتِقْ مائةَ نفْسٍ، وطلِّقْها، "وبِرَّ والدَيْك"، أي: أدِّ إليهما حقَّهما مِن الصِّلةِ والإحسانِ والطَّاعةِ، وفي روايةِ أحمدَ: "فقال له أبو الدَّرداءِ: ما أنا بالَّذي آمُرُك أنْ تُفارِقَ، وما أنا بالَّذي آمُرُك أنْ تُمْسِكَ"، ثمَّ قال: "سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: الوالِدُ أوسَطُ أبوابِ الجنَّةِ"، أي: خيرُها، أو أنَّه سبُبٌ لدُخولِ الولدِ مِن أحسَنِ أبوابِ الجنَّةِ، "فحافِظْ على والدَيْك أوِ اتْرُكْ"، وليس المُرادُ التَّخييرَ بين الأمرينِ، بل المُرادُ التَّوبيخُ على ترْكِ الوالدينِ وإضاعتِهما، والحثُّ على حِفْظِ حُقوقِهما، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. ... ولكنْ طاعةُ الوالدينِ مُقيَّدةٌ بالمعروفِ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الحديثِ المُتَّفَقِ عليه: "إنَّما الطَّاعةُ في المعروفِ"؛ فإذا كانتِ الزَّوجةُ مُستقيمةَ الأحوالِ وذاتَ دِينٍ، وإنَّما أَمَراه بطَلاقِها لهوًى في نفْسَيْهما، فلا طاعةَ لهما في ذلك، ولا يلزَمُه طلاقُ امرأتِه، وليس تطليقُ زوجتِه في هذه الحالِ مِن بِرِّ والدَيْه. ... وفي الحديثِ: الحَثُّ على طاعةِ الوالدينِ ومعرفةِ حقِّهما. ... وفيه: مُراعاةُ الشَّرعِ لحُقوقِ جميعِ أطرافِ الأُسرةِ دونَ جَورِ أحدٍ على حقِّ غيرِه.