‌‌باب ما جاء في النفقة على الأهل2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في النفقة على الأهل2

حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الدينار دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله» ـ قال أبو قلابة: بدأ بالعيال ـ ثم قال: «فأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال له صغار يعفهم الله به ويغنيهم الله به»: هذا حديث حسن صحيح
‌‌

الإنْفاقُ في سَبيلِ اللهِ مِن أفْضلِ وُجوهِ البرِّ، ولِهذا الإنْفاقِ وُجوهٌ كَثيرةٌ تُقدَّرُ بقَدْرِها، ويُفاضَلُ بيْنَها بحَسَبِ الأحْوالِ والظُّروفِ.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صُوَرًا وأبْوابًا مِن أبْوابِ الإنْفاقِ، ويُرتِّبُه بحسَبِ الحالِ إذا تَزاحمَتْ أوجُهُ الإنْفاقِ في وَقتٍ واحدٍ، فأخبَرَ أنَّ أَكثرَ الدَّنانيرِ ثَوابًا هو الدِّينارُ الَّذي يُنفقُه الإنْسانُ عَلى مَن يَعولُه وتَلزَمُه مُؤنتُه؛ مِن نحْوِ زَوجةٍ وَولدٍ وخادمٍ، وَهذا إذا نَوى بهِ وَجهَ اللهِ، وفي رِوايةِ الصَّحيحَينِ: «إنَّ المُسلِمَ إذا أنْفَقَ على أهْلِهِ نَفَقةً وهو يَحتَسِبُها، كانتْ له صَدَقةً»، فبيَّنتْ أنَّه إذا احتَسَبَها للهِ فهي له نَفقةٌ وصَدَقةٌ؛ وذلِكَ لأنَّ النَّفَقةَ عليهم واجِبةٌ، ويَأثَمُ إنْ ضيَّعَهم، فكان الأجْرُ أعظَمَ ممَّا لو أنفَقَ مُتطوِّعًا على غَيرِ عِيالِهِ وترَكَهُم. ولفظُ «الدِّينارِ» هنا عامٌّ يشمَلُ كلَّ ما أُعِدَّ للنَّفقةِ وكان مالًا، ويدخُلُ فيه العُملاتُ المعاصِرةُ بمختَلِفِ تَنوُّعاتِها.
ثُمَّ ذكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الإنْفاقَ على مَركوبِ الإنْسانِ المُعَدِّ للحربِ في سَبيلِ اللهِ، فقال: «ودِينارٌ يُنفِقُه الرَّجلُ عَلى دابَّتِه» المَربوطةِ، «في سَبيلِ اللهِ»، أي: أعَدَّها للغَزوِ عليها، وما في مَعْناها، و«دِينارٌ يُنفِقُه عَلى أصْحابِه» حالَ كَونِهم مُجاهِدينَ «في سَبيلِ اللهِ»، فيُنفِقُ عَلى رُفقتِه الغُزاةِ، وقيلَ: المرادُ بسَبيلِ اللهِ كلُّ طاعةٍ.
وَفي آخِرِ الحَديثِ قالَ التَّابِعيُّ أبو قِلَابةَ عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ -راوي الحَديثِ-: «بَدأَ بالعيالِ»، أي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جعَلَ أوْجَبَ النَّفقاتِ الَّتي يُنفِقُها الرَّجلُ هي الَّتي تكونُ على عيالِه، ثُمَّ قالَ أبو قِلَابةَ: «وأيُّ رَجلٍ أعْظمُ أجْرًا مِن رَجلٍ يُنفِقُ عَلى عِيالٍ صِغارٍ، يُعِفُّهُم، أو يَنفَعُهمُ اللهُ به، ويُغنِيهِم؟!»، وهذا رأيُ أَبي قِلَابةَ في الإنْفاقِ وتَرتيبِ الأوْلَوِيَّةِ بيْنَ الأُمورِ المَذكورةِ، وأنَّه يَرى أنَّ أفْضلَ النَّفقةِ وأوْلَاها هيَ النَّفقةُ عَلى العِيالِ والأوْلادِ الصِّغارِ الَّذينَ لا يَستَطيعونَ التَّكسُّبَ، فتَكونُ هَذه النَّفقةُ إعْفافًا لَهُم عن سُؤالِ النَّاسِ، وإغْناءً لَهم عنِ الذِّلَّةِ والمَهانةِ، وهو موافِقٌ لمَا جاء في حَديثِ مُسلِمٍ عن أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ودِينارٌ أنْفقْتَه على أهلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الَّذي أنْفقْتَه على أهْلِكَ».
وَفي الحَديثِ: تَعدُّدُ وُجوهِ الإنْفاقِ في البرِّ والخَيرِ والصَّدَقةِ.
وفيه: أنَّ النَّفَقةَ عَلى العِيالِ مِن أفضَلِ النَّفَقاتِ.
وفيه: أنَّ النَّفَقةَ عَلى الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ مِن أعظَمِ النَّفَقاتِ، مِثلَ إعْدادِ الأدَواتِ والرِّجالِ للجِهادِ.