باب الصبر على البلاء10
سنن ابن ماجه
حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، حدثنا ابن أبي عدي (ح)
وحدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء؛ قالا: حدثنا راشد أبو محمد الحماني، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء
عن أبي الدرداء، قال: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أن: "لا تشرك بالله شيئا، وإن قطعت وحرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر" (1)
أوْصَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه بمَعالي الأُمورِ والمُحافظةِ على الدِّينِ، وحَثَّهم على الصَّبرِ على ذلك، كما نهى صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الاقترابِ من رُؤوسِ الشَّرِّ ومفاتيحِها؛ مِثل الخمرِ والميسرِ والرِّبا وغيرِ ذلك.
كما في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ أبو الدَّرداءِ رضِيَ اللهُ عنه: "أوْصاني خَليلي"، يعني: عهِدَ إليَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوصيَّةٍ من الأوامرِ والنَّواهي، وإنَّما قال "خليلي" مكانَ "رسولُ اللهِ" صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إظهارًا لغايةِ تَعطُّفِه وشَفقتِه عليه، "ألَّا تُشرِكَ باللهِ شيئًا"، وهذا نَهيٌ عن الإشراكِ باللهِ وعن الكُفرِ به، "وإنْ قُطِّعْتَ وحُرِّقْتَ" تَتميمٌ لمعنى النَّهيِ عن الشِّركِ، وهذا يدُلُّ على أنَّه يَنْبغي اختيارُ الموتِ والقَتلِ دونَ إظهارِ الشِّركِ، وهذه وَصيَّةٌ بالأفضلِ والعزيمةِ؛ وإلَّا فإنَّه يجوزُ التَّلفُّظُ بكلمةِ الكُفرِ والشِّركِ عند الإكراهِ؛ لقولِه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106].
"ولا تترُكْ صَلاةً مَكتوبةً مُتعمِّدًا" وهذا نَهيٌ أيضًا عن تَركِ الصَّلاةِ المفروضةِ وعدَمِ أدائِها، وقولُه: "مُتعمِّدًا" احترازٌ عن الخطأِ والنِّسيانِ، والنَّومِ والضَّرورةِ، وعدَمِ القُدرةِ على الصَّلاةِ؛ "فمَن ترَكَها مُتعمِّدًا فقد بَرِئَت منه الذِّمَّةُ"، أي: أصبَحَ لا عهْدَ له عند اللهِ، ولا كرامةَ تَمنعُه مِن العذابِ والتَّنكيلِ، وقيل: هذا كِنايةٌ عن الكُفرِ تغليظًا، وقيل: المُرادُ بالذِّمَّةِ الأمانُ من التَّعرُّضِ بالقَتلِ أو التَّعزيرِ، وبمعنى العهدِ والضَّمانِ والحُرمةِ والحقِّ، أي: أنَّ لكلِّ أحدٍ من اللهِ عهدًا بالحفظِ والكَلاءةِ، فإذا ألْقى بيَدِه إلى التَّهلُكةِ، أو فعَلَ ما حرَّمَ اللهُ تعالى، أو خالَفَ ما أُمِرَ به؛ خذَلَتْه ذِمَّةُ اللهِ تعالى.
"ولا تشرَبِ الخمرَ؛ فإنَّها مِفتاحُ كلِّ شرٍّ" وهذا نَهيٌ عن شُربِ الخمرِ، وهي كلُّ ما أذهَبَ العقلَ وأسكَرَه، مهما اختلَفَتِ المُسمَّياتُ.
وقرَنَ ترْكَ الصَّلاةِ وشُربَ الخمرِ بالشِّركِ؛ إيذانًا بأنَّ الصَّلاةَ عَمودُ الدِّينِ، وأنَّ شُرْبَ الخمرِ كعبادةِ الوثَنِ؛ ولأنَّ أُمَّ الأعمالِ ورأسَها الصَّلاةُ، وأُمَّ الخبائثِ الخمرُ؛ فلا يجتمعانِ أبدًا؛ قال اللهُ تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، ثمَّ عقَّبَ كلًّا من المَنهيَّاتِ بما يَزيدُ المُبالغةَ فيها.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن الوُقوعِ في الشِّركِ والكُفرِ اختيارًا.
وفيه: الحَثُّ على المُحافظةِ على الصَّلواتِ والنَّهيُ عن تَضييعِها