باب الكفالة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة
عن ابن عباس، أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما عندي شيء أعطيكه. فقال: لا والله، لا فارقتك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فجره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كم تستنظره؟ " قال: شهرا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فأنا أحمل له"، فجاءه في الوقت الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أين أصبت هذا؟ " قال: من معدن، قال: "لا خير فيها" وقضاها عنه (1).
من محاسِنِ شمائِلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه كان يَكفُلُ بعضَ دُيونِ أصحابِه، رحمةً ورِفقًا بهم، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "أنَّ رجلًا لزِمَ غَريمًا له"، أي: رجلًا مَدينًا له، بعشَرَةِ دَنانِيرَ، و"الغَريم": مَن له دَينٌ على غيرِه، فقال صاحِبُ الدَّينِ للمَدينِ: "واللهِ لا أُفارِقُك حتَّى تَقضِيَني"، أي: تَرُدَّ ليَ العشرَةَ دنانِيرَ، "أو تأتِيَني بحَمِيلٍ"، أي: بكَفيلٍ يَضمَنُ ذلك الدَّينَ، "فتحَمَّل بها النَّبيُّ"، أي: ضَمِنَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فأتاه الرَّجلُ"، أي: أتَى إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "بقَدْرِ ما وعَدَه"، أي: بما يعادِلُ عشَرَةَ دنانيرَ؛ فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مِن أين أصَبْتَ"، أي: حصَّلْتَ، "هذا الذَّهبَ؟"، قال الرَّجلُ: "مِن معدِنٍ"، وهو اسمٌ لكلِّ ما يُستخرَجُ مِن باطِنِ الأرضِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا حاجَةَ لنا فيها"، أي: في الذَّهَبِ الَّذي أتى به مِن المعْدِنِ، "وليس فيها خيرٌ"؛ "فقضاها عنه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: أدَّى عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم العشَرَةَ الدَّنانيرَ.
قيل: إنَّ ردَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للذَّهَبِ ربَّما كان يَحمِلُ شبهَةً لا تُحِلُّ له الذَّهَبَ، أمَّا استِخراجُ المعادِنِ مِن الأرضِ فلا شيءَ فيه.