باب: النهي عن التبتل 4
سنن النسائي
أخبرنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا أنس بن عياض، قال: حدثنا الأوزاعي، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة، قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل شاب، قد خشيت على نفسي العنت، ولا أجد طولا أتزوج النساء، أفأختصي؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال ثلاثا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاق، فاختص على ذلك، أو دع» قال أبو عبد الرحمن: «الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من الزهري» وهذا حديث صحيح قد رواه يونس، عن الزهري
أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالزَّواجِ ورغَّبَ فيه، ونَهى عَنِ الزِّنا، وقَطَع الأسبابَ المُوصِلةَ إليه، ووَجَّه غيرَ القادِرِ إلى الصَّبرِ والاستعانةِ باللهِ في طَلَبِ الرِّزقِ الحَلالِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا شَعَرَ بِضيقِ حالِه وأنَّه قدْ لا يَستطيعُ تَحمُّلَ تَكاليفِ الزَّواجِ، أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَرَحَ له حالتَه وأنَّه رجُلٌ شابٌّ ويَخافُ على نفْسِه «العنَتَ»، أي: الزِّنا، فسَكتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكَرَّرَ أبو هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه ما قاله على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّتينِ، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «يا أبا هُرَيْرَةَ، جَفَّ القلمُ بما أنت لاقٍ، فاخْتَصِ على ذلك أو ذَرْ»، والمعنى: أنَّ قَدَرَ اللهِ تعالَى نافذٌ ومُتحقِّقٌ، وقدْ نَفَذَ المقدورُ بما كُتِبَ في اللَّوحِ المحفوظِ، فبقِيَ القلمُ الَّذي كُتِبَ به جافًّا لا مِدادَ فيه؛ لِفراغِ ما كُتِبَ به، فلا خُروجَ عَنِ القدَرِ بحالٍ، وإذا كان الأمرُ كذلك فافعلِ الخِصاءَ إنْ شِئتَ أو ذرْهُ، أي: دعْه؛ فإنَّ ذلك لا يُغيِّرُ مِن قدَرِ اللهِ شيئًا، والخِصاءُ: هو الشَّقُّ على الأُنْثَيَيْـنِ وانتِزاعُهما. وليس معْنى ذلك أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ له في الخِصاءِ، بل فيه إشارةٌ إلى النَّهيِ عَن ذلك وأنَّ الخِصاءَ لا يُغيِّرُ قدَرَ اللهِ تعالَى