باب بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطعام 1
بطاقات دعوية
عن جابر - رضي الله عنه - أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطعم فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم. (م 7/ 60
جعَلَ اللهُ سُبحانه وتَعالَى للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَركةً ظاهرةً رآها أصحابُه رَضيَ اللهُ عنهم ونالُوها في حَياتِهم.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رجلًا أتى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَطلُبُ مِنه طعامًا لحاجتِه، فأَطعَمَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَطرَ -أي: نِصفَ- وَسْقٍ مِن شَعيرٍ، والوَسْقُ سِتُّون صاعًا، ويُعادِلُ (130 كجم) تَقريبًا، فأخَذَه الرَّجلُ، وظلَّ عِنده، فما زال الرَّجلُ وامرأَتُه يَأكُلانِ مِنه ويُطعِمون ضُيوفَهم كَذلك، وفي رِوايةٍ عندَ أحمَدَ: «ووَصيفٌ لهم» أي: خادمٌ لهم، وكانت البَرَكةُ تَنزِلُ في ذلك الطَّعامِ، فاستطالَ الرَّجلُ بَقاءَه «فكالَه»، أيِ: وزَنَه ليَعرِفَ قَدْرَ ما بَقِي فيه؛ فنَفِدَ الشَّعيرُ سريعًا، فَجاءَ هذا الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخبَرَه بالأمرِ، فَقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لو لَم تَكِلْه لأَكلْتُم» منه أَنتَ وامرَأَتُكَ وأَضيافُكما، «ولَقامَ لكم»، أي: استَمرَّ بَقاؤُه عَلى وَجهِ الدَّوامِ ببَركةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وهذا يدُلُّ على أنَّ مَن رُزِقَ شيئًا، أو أُكرِمَ بكَرامةٍ، أو لُطِفَ به في أمرٍ ما؛ فالمتعيِّنُ عليه مُوالاةُ الشُّكرِ، وأنْ يَعلَمَ أنَّ ذلك بمَحضِ فَضلِ اللهِ تَعالَى وكَرمِه، لا بحَولِه ولا بقُوَّتِه، ولا استحقاقِه، ولا يَحدُثُ في تلكَ الحالةِ تَغييرًا، بلْ يَترُكُها على حالِها.
وقدِ استُشكِلَ مَعنى هذا الحديثِ مع ما وَرَد مِن الأمرِ بكَيلِ الطَّعامِ، وتَرتيبِ البَركةِ على ذلك؛ ففي البُخاريِّ عن المِقدامِ بنِ مَعدِيكرِبَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «كِيلوا طَعامَكم، يُبارَكْ لكم فيه». ويُجابُ على ذلك: بأنَّ الكيْلَ عندَ المبايَعةِ مَطلوبٌ مِن أجْلِ تَعلُّقِ حقِّ المتبايعينِ، وأمَّا الكيلُ عندَ الإنفاقِ، فقدْ يَبعَثُ عليه الشُّحُّ، ويكونُ سَببًا لنَزعِ البركةِ؛ فلذلك كُرِهَ.