باب تسمية المولود غداة يولد لمن يعق عنه ، وتحنيكه 2
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك - رضى الله عنه - قال: كان ابن لأبى طلحة يشتكى، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبى، [فلما رأت امراتة أنه قد مات؛ هيأت شيئا، ونحته في جانب البيت 2/ 84]، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان (وفي طريق: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة)، فقربت إليه العشاء، فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ (وفي الطريق الأخرى: قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج؛ أعلمته أنه قد مات) قالت: وار الصبى، فلما أصبح أبو طلحة؛ أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (وفي الطريق الأخرى: فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره [بما كان منها]، فقال: أعرستم (2) الليلة؟ قال: نعم. قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما (3)، فولدت غلاما. قال لي أبو طلحة: احفظه (4) حتى تأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، (ومن طريق أخرى: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس! انظر هذا الغلام، فلا يصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحنكه، فغدوت به، فإذا هو في حائط) (وفي رواية: في مربد له 6/ 232) [وعليه خميصة حريثية]، أفرأيته، [في يده الميسم، يسم إبل الصدقة 2/ 138] (وفي الطريق الأخرى: وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح) (وفي طريق ثالثة: شاة حسبته قال: في آذانها)، وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم؛ تمرات، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضغها، ثم أخذ من فيه فجعلها في في الصبى وحنكه به، وسماه عبد الله.
الحزنُ على المُصابِ غَريزةٌ طبيعيَّةٌ، ولكنَّ المؤمنَ الصادِقَ يَستطيعُ أن يَتغلَّبَ عليه بالتحلِّي بالصَّبرِ، والرِّضا بقَضاءِ الله وقدَرِه والتَّسليمِ لأمْرِه.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ابنًا لأبي طَلحةَ رَضيَ اللهُ عنه مَرِضَ، وأبو طَلحةَ هو زَيدُ بنُ سَهلٍ زَوجُ أُمِّ أَنسٍ أُمِّ سُلَيمٍ، وهذا الابنُ هو أخو أنسٍ لأُمِّه أمِّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنهم، وقدْ جاء في صَحيحِ ابنِ حِبَّانَ أنَّ هذا الابنَ هو أبو عُمَيرٍ الَّذي كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُداعِبُه بقولِه: «يا أبا عُمَيْر، ما فعَلَ النُّغَيْر؟» فاشتَكَى، أي: مرِضَ هذا الطِّفلُ، ثمَّ مات، وكان أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه خارجَ البَيتِ، فلمَّا رأتِ امرأتُه أمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها أنَّه قد مات، أحضرَت طعامًا شهيًّا، ولبِسَت وتهيَّأتْ لزَوجِها، وغسَّلتِ ابنَها، وكفَّنَته، «ونَحَّتْهُ» أي: وضَعَتْه في جانبٍ مِن البَيتِ؛ لئلَّا يَراهُ في أوَّلِ دُخولِه، فلمَّا جاء أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: كيف الغلامُ؟ فعرَّضَتْ بإجابتِها؛ فقالت: "قدْ هَدَأَتْ نَفْسُه، وأرجو أنْ يَكونَ قدِ استَراحَ"، فإنَّ كلامَها وإنْ كان صادقًا، فإنَّ له فَهْمًا ومعنًى آخَرَ عندَ أبي طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه، ومعناهُ على الحقيقةِ أنَّه قدْ سكنَتْ رُوحُه عن الحركةِ في جِسمِه، واستراح مِن مَرضِه بالمَوتِ، ومعناهُ عندَ أبي طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الصبيَّ قدْ تَحسَّنتْ صحَّتُه، وسكَنَتْ آلامُه، وأخلَد إلى النَّومِ، وهذا هو التعريضُ الذي فيه مَندوحةٌ عن الكَذِبِ.
فظنَّ أبو طَلحةَ أنَّها صادِقةٌ بحسَبِ المعنى الذي فَهِمَه، وإلَّا فهي صادقةٌ بالنِّسبةِ إلى المعنَى الذي أرادتْ هي، فباتَ أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه في طُمأنينةٍ عليه، ولَمَّا أَصْبَحَ اغتَسَلَ، وهو كِنايةٌ عن وُقوعِ الجِماعِ بيْنَه وبيْنَ زَوجتِه في تلك اللَّيلةِ؛ فإنَّها كانتْ قدْ جهَّزتْ له العَشاءَ وتَصنَّعتْ كما تَتصنَّعُ المرأةُ لزَوجِها وتَتزَيَّنُ لزَوجِها تعرُّضًا للجِماعِ، فتعشَّى أبو طَلحةَ وأصابَ منها، واغتسَل مِن جَنابتِه لَمَّا أصبَح، فلمَّا أراد أن يَخرُجَ أعلَمَتْه أنَّه قدْ مات، وكان أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه قد غضِبَ مِن فَعلتِها تلك وتَوريتِها عليه كما في روايةِ مُسلِمٍ، وذهَب إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَشكي له ما صنَعَتْ، فصلَّى مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ أخبَره بما كان بيْنَهما، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لعَلَّ اللهَ أنْ يُبارِكَ لكما في لَيلتِكُما، ويُعوِّضَكما عن فَقيدِكما بالخلَفِ الصَّالحِ، فاستجابَ اللهُ دَعوةَ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورزَقَهما اللهُ تِسعةَ أولادٍ مِن ولدِهما عبدِ الله الَّذي حمَلتْ به تلك اللَّيلةَ، كلُّهم قدْ قرأَ -أي: حَفِظَ- القرآنَ؛ جزاءً لهما على صبرِهما، كما أخبَر بذلك سُفْيانُ بنُ عُيَيْنةَ راوي الحديثِ، والَّذي أخبَرَه بذلك رجُلٌ مِن الأنصارِ، وأنَّه قد تحقَّقَتْ دَعوةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهما بعْدَ زمنٍ.
وفي الحديثِ: فضلُ أمِّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها، واتِّصافُها بالصَّبرِ على البلاءِ، والرِّضا بالقضاءِ، والتَّسليمِ لأمرِ الله في الضَّرَّاءِ.
وفيه: فضلُ الصَّبرِ، وعاقبتُه الحميدةُ، والتَّعويضُ العاجلُ لكلِّ مَن صبَر عندَ الصَّدمةِ الأولى.
وفيه: الأخذُ بالشِّدَّةِ وترْكُ الرُّخصةِ لِمَن قدَر عليها، وأنَّ ذلك ممَّا يَنالُ به العبدُ رفيعَ الدَّرَجاتِ، وجزيلَ الأجرِ.
وفيه: ذِكرُ المعاريضِ الموهِمةِ إذا دعَتِ الضَّرورةُ إليها، بشَرْطِ ألَّا تُبطِلَ حقًّا لمُسلِمٍ.