باب {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}
بطاقات دعوية
عن ابن عباس قال: تطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة؛ فمن تيسر له هدية من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك (12) أى ذلك شاء؛ غير إن لم يتيسر له؛ فعليه ثلاثة أيام فى الحج، وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة؛ فلا جناح عليه، ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام، ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها، حتى يبلغوا جمعا الذى يتبرر فيه، ثم ليذكروا الله كثيرا، أو أكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا، فإن الناس كانوا يفيضون، وقال الله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} حتى ترموا الجمرة.
التَّمتُّعُ هو أحَدُ أنساكِ الحجِّ الثَّلاثةِ، وهو أنْ يُحرِمَ الإنسانُ بالعُمرةِ في أشْهُرِ الحجِّ، ثُمَّ يَحِلَّ منها، ثُمَّ يُحرمَ بِالحجِّ مِن عامِه، وهذا المتمتِّعُ يَجِبُ عليه فِدْيةٌ، أقلُّها شاةٌ، فإنْ لم يَستطِعْ ذلك فإنَّه يَجِبُ عليه صِيامُ عَشرةِ أيامٍ؛ ثَلاثةٍ في الحجِّ، وسَبعةٍ إذا رجَعَ إلى وَطَنِه.
وفي هذا الحديثِ يُفصِّلُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما ما يَفعَلُه المتمتِّعُ؛ فيَذكُرُ أنَّ مَن كان بمَكَّةَ بعْدَ أنْ يَتحلَّلَ مِن عُمرتِه التي أحرم بها في أشهُرِ الحَجِّ، فإنَّه يَطوفُ بالبيتِ ما كان مُتحلِّلًا، فإذا أرادَ أنْ يُهِلَّ بالحجِّ -والمرادُ بالإهلالِ هنا: قصْدُ النِّيةِ في الإحرامِ، وهو في الأصْلِ رفْعُ الصَّوتِ بالتَّلبيةِ- وركِبَ إلى عَرَفةَ -وهو جَبَلٌ يَقَعُ على الطَّريقِ بيْن مَكَّةَ والطَّائفِ، يَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيِ (22 كم)، وعلى بُعدِ (10 كم) مِن مِنًى، و(6 كم) مِن مُزدَلِفةَ- فإنَّه يُخرِجُ ما تَيسَّرَ له مِنَ الهدْيِ، وهي الأنعامُ الَّتي يذبحها الحاجُّ مِنَ الإبلِ أوِ البَقَرِ أوِ الغَنَمِ، فيَذبَحُ ما شاءَ مِن ذلك، فإنْ لم يَستطعِ الحاجُّ الفِدْيةَ فإنَّه يَصومُ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ قبْلَ يَومِ عرفةَ، وهو اليَومُ التاسِعُ من ذي الحِجَّةِ، فإنْ كان يومُ عَرَفةَ آخرَ الأيَّامِ الثَّلاثةِ، فإنَّه يَصومُه ولا إثمَ ولا حَرَجَ عليه، ثُمَّ يَتوجَّهُ الحاجُّ فيَقِفُ بعَرَفاتٍ مِنَ العصرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ، ثُمَّ يَنطلِقُ الحاجُّ من عَرَفاتٍ إلى جمْعٍ -وهي المزدلفةُ- الَّذي يُتبرَّرُ فيه، أي: يُطلَبُ فيه البِرُّ والأجرُ والثَّوابُ. ثُمَّ يُكثِرُ الحاجُّ مِن ذكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ والتَّكبيرِ والتَّهليلِ حتى يُصبِحَ. وسُمِّيَت المُزدَلِفةُ (جَمْعًا)؛ لأنَّها يُجمَعُ فيها بيْن الصَّلاتَينِ المَغربِ والعِشاءِ، وقيلَ: وُصِفَتْ بفِعلِ أهلِها؛ لأنَّهم يَجتمِعون بها ويَزدَلِفون إلى اللهِ تعالَى، أيْ: يَتقرَّبون إليه بالوُقوفِ فيها. ومِن أسمائِها أيضًا المَشعَرُ الحَرامُ، وهي مُجاوِرةٌ ومُلاصِقةٌ لمَشعَرِ مِنًى.
ويُفيضُ الحاجُّ مِنَ المكانِ الَّذي كان النَّاسُ يُفيضونَ منه، وهو عَرَفاتٌ، فقد كانت قُرَيشٌ تُفيضُ مِن المُزدَلِفةِ، والنَّاسُ يُفيضون مِن عَرَفاتٍ، كما في حديثِ عائِشةَ في الصَّحيحَينِ، وتكونُ الإفاضةُ بعْدَ غروبِ الشَّمسِ، وهذا المرادُ مِن قولِه تعالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ} [البقرة: 199]، ثُمَّ يتَّجِهُ الحاجُّ إلى رمْيِ الجمراتِ، وهو مَنْسَكٌ عظيمٌ من مَناسِكِ الحَجِّ، والجَمَراتُ ثلاثٌ: الجَمْرَةُ الصُّغْرى، والجَمْرَةُ الوُسْطى، والجَمْرَةُ الكُبْرى، وهي جَمْرَةُ العَقَبَةِ.
وفي الحَديثِ: مشروعيَّةُ التمَتُّعِ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ.