باب رضا المصدق
حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد يعنى ابن زياد ح وحدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان - وهذا حديث أبى كامل - عن محمد بن أبى إسماعيل حدثنا عبد الرحمن بن هلال العبسى عن جرير بن عبد الله قال جاء ناس - يعنى من الأعراب - إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا إن ناسا من المصدقين يأتونا فيظلمونا. قال فقال « أرضوا مصدقيكم ». قالوا يا رسول الله وإن ظلمونا قال « أرضوا مصدقيكم ». زاد عثمان « وإن ظلمتم ». قال أبو كامل فى حديثه قال جرير ما صدر عنى مصدق بعد ما سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وهو عنى راض.
نظم الإسلام أمور الدين، وبين كيفية أداء الفرائض والأركان، ومن ذلك أنه بين أحكام الزكاة، وكيفية جمعها، وشروطها وآدابها؛ حتى تؤدى الفريضة بقلوب راضية
وفي هذا الحديث يخبر جرير بن عبد الله رضي الله عنه، أنه قد جاء ناس من الأعراب -وهم الذين يسكنون الصحراء- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقالوا: «إن ناسا من المصدقين»، وهم عمال الزكاة الذين يقدرون الأموال على أصحابها ويأخذون منها الزكاة، «يأتوننا فيظلموننا»، أي: يأخذون أكثر مما هو مطلوب منا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرضوا مصدقيكم»، ومعناه: أرضوهم ببذل الواجب وملاطفتهم وترك مشاقهم، وفي رواية عند أبي داود قالوا: «يا رسول الله، وإن ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم وإن ظلمتم»، وهذا الكلام مبني على فرض الظلم وتقديره، لا على وقوعه حقيقة، ولأن عمال الصدقات إن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليهم، ولرب المال أن يشتكي أو يبين له بأن هذا ليس لك، وإنما الذي لك كذا وكذا
ثم أخبر جرير رضي الله عنه أنه ما ذهب عنه عامل زكاة إلا وهو عنه راض؛ تسامحا له، واستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم جامعي الزكاة بعدم الظلم وتجنب كرائم الأموال، فقال لهم -كما في حديث الصحيحين من حديث معاذ رضي الله عنه-: «فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب»، وبهذا يقف كل من جامع الزكاة ودافعها على حدة مراعيا لحدود الله
وفي الحديث: ضرورة إخراج الزكاة في كل الأحوال
وفيه: إرضاء عمال الزكاة بإعطاء الزكاة بطيب نفس وعدم مماطلة في قدرها
وفيه: ما كان عند الصحابة رضي الله عنهم من حرص على الاستجابة لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم