باب فضل الذكر4
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر، حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني معاوية بن صالح، أخبرني عمرو بن قيس الكندي عن عبد الله بن بسر: أن أعرابيا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأنبئني منها بشيء أتشبث به، قال: "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل" (1)
في هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ رجُلًا قال: "يا رسولَ اللهِ، إنَّ شَرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَت علَيَّ"، أي: كَثُرَت أنواعُ العباداتِ علَيَّ وتشَعَّبَت عِندي، وربَّما يكونُ مُرادُه أنَّ النَّوافِلَ كَثُرَت عليه فلَم يستَطِعِ العمَلَ بها كلِّها، "فأخبِرْني بشيءٍ أتشَبَّثُ به"، أي: قُل لي عمَلًا مِن عبادةٍ أو غيرِها أستطيعُ فِعلَه، فأتَمسَّكُ وأتعلَّقُ به، وهو عملٌ يسيرٌ مُستجلِبٌ لِثَوابٍ كثيرٍ، فأُداوِمُ عليه، وأعتَصِمُ به، ولم يُرِدْ بقَولِه: "كَثُرَت علَيَّ" أنَّه يَترُكُ ذلك كلِّيَّةً، ويَشتَغِلُ بغَيرِه فحَسبُ، وإنَّما أرادَ أنَّه بعدَ أداءِ ما افتُرِض عليه يتَشبَّثُ بما يَستَغني به عن سائرِ ما لم يُفترَضْ عليه.
فأخبرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بما يَنفَعُه في ذلك، فقال: "لا يَزالُ لِسانُك رَطْبًا"، أي: طَريًّا "مِن ذِكْرِ اللهِ"، أي: داوِمْ على ذِكْرِ اللهِ سبحانه وتعالى؛ مِن تَسبيحِه وتَحميدِه ونَحوِ ذلك، وقدْ ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في أحاديثَ كثيرةٍ وصايا أخرى غيرَ هذِه، لأنَّه في كلِّ حَديثٍ كان يُجيبُ بما يُراعي به حالَ السَّائلِ، أو بما يُعْلِمُ به أُمَّتَه مِن أبوابِ الخيرِ المُتعدِّدةِ.
وفي الحديثِ: اختِلافُ قُدراتِ النَّاسِ في العِلمِ والحِفظِ، والاستيعابِ والعمَلِ.
وفيه: تَيسيرُ العِباداتِ في غيرِ الفَريضةِ على النَّاسِ، وإخبارُهم بما يُناسِبُ قُدراتِهم.