باب فضل شهر رمضان 2
سنن النسائي
أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أنبأنا نافع بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»
فضَّلَ اللهُ عزَّ وجلَّ شَهرَ رمَضانَ على سائرِ الشُّهورِ، حيثُ شرَّفه بإنزالِ القرآنِ فيه، وخَصَّه بفَريضةِ الصَّومِ، وجَعَلَه مَوسِمًا مِن مَواسمِ الخَيرِ والغُفرانِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا جاءَ شَهرُ رَمَضانَ فُتِّحَت أبوابُ الجَنَّةِ حَقيقةً؛ تَعظيمًا لهذا الشَّهرِ وتَكريمًا، وحَثًّا للنَّاسِ على الإقبالِ على الطَّاعاتِ وعمَلِ الخيرِ، وغُلِّقت أَبوابُ جَهنَّمَ حَقيقةً؛ فإنَّ ذلك باعثٌ على تَرْكِ الفواحشِ والبُعدِ عن المعاصِي، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ، فشُدَّت بالسَّلاسلِ ومُنِعَتْ مِنَ الوُصولِ إلى بُغيَتِها مِن إفسادِ المسلمينَ بالقَدْرِ الَّذي كانت تَفعَلُه في غَيرِ رَمضانَ، وقيل: سُلْسِلَت الشَّياطينُ مُسترِقو السَّمعِ حَقيقةً؛ لأنَّ رَمَضانَ كان وقْتًا لنُزولِ القرآنِ إلى سَماءِ الدُّنيا، وكانت الحراسةُ قدْ وَقَعَت بالشُّهبِ، كما قال اللهُ تعالَى: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7]، فزِيدوا التَّسلسُلَ في رَمَضانَ مُبالَغةٍ في الحِفظِ
أو المرادُ بالشَّياطِينِ في هذا الحَديثِ مَرَدةُ الجِنِّ منهم، وأشَدُّهم عَداوةً وعُدوانًا لا جميعُ الشَّياطينِ، وبذلك يُجابُ عمَّا يَقَعُ مِن الشُّرورِ والمَعاصي في رَمَضانَ، وعلى القَولِ بأنَّ جَميعَ الشَّياطينِ تُصَفَّدُ وتُسَلسَلُ فإنَّما تُصَفَّدُ عن الصَّائِمينَ الصَّومَ الَّذي حُوفِظَ على شُروطِه، ورُوعِيَت آدابُه، أمَّا ما لم يُحافَظْ عليه فلا يُغَلُّ عن فاعِلِه الشَّيطانُ، وأيضًا فإنَّ المُصَفَّدَ مِن الشَّياطينِ قد يُؤذِي، لكِنْ هذا أقَلُّ وأضعَفُ ممَّا يكونُ في غيرِ رَمَضانَ؛ فهو بحَسبِ كَمالِ الصَّومِ ونَقْصِه؛ فمَن كان صَومُه كامِلًا دُفِعَ عنه الشَّيطانُ دَفعًا لا يُدفَعُه حالَ الصَّومِ النَّاقِصِ، وأيضًا فلا يَلزَمُ مِن تَصفيدِ جَميعِ الشَّياطينِ ألَّا يَقَعَ شَرٌّ؛ لأنَّ لوُقوعِ الشَّرِّ أسبابًا أُخَرَ؛ كالنُّفوسِ الخَبيثةِ، والشَّياطينِ الإنسيَّةِ