باب فى الجهمية
حدثنا محمد بن عمرو حدثنا سلمة - يعنى ابن الفضل - قال حدثنى محمد - يعنى ابن إسحاق - قال حدثنى عتبة بن مسلم مولى بنى تيم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول فذكر نحوه قال « فإذا قالوا ذلك فقولوا (الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان ».
الإيمانُ باللهِ سُبْحانَه يتَطلَّبُ قلبًا واعِيًا وتَسْليمًا وانقِيادًا كامِلًا للهِ؛ لأنَّ كثيرًا مِن الأمورِ الغَيبيَّةِ وغَيرِها لا يُمكِنُ للعَقلِ أنْ يُدْرِكَها، وربَّما يتَشكَّكُ الإنسانُ ويَعْتريه الفِكْرُ السَّقيمُ، فيَسألُ إذا كان اللهُ قَدْ خَلَقَ الكونَ فمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ وهنا لا بُدَّ للمؤمِنِ أنْ يَرْجِعَ سريعًا إلى إيمانِه باللهِ وما قاله عن نَفْسِه عزَّ وجلَّ
وهذا الحديثُ مَخْتَصَرٌ مِنْ حديثٍ آخَرَ، وفيه يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا يَزالُ النَّاسُ يَسأَلونَ، حتَّى يَقولونَ: هذا خَلَقَ اللهُ، فمَنْ خَلَقَ اللهَ؟" وقد حَدَثَ هذا السُّؤالُ ووَقَعَ على عَهْدِ الصَّحابةِ ورَدَّ عليهم أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، وفي عَصْرِنا الحاضِرِ وَقَعَتْ مِثْلُ هذا الأسئلةِ كثيرًا وهي مُشاهَدةٌ ومَسموعةٌ للجَميعِ، وهذه أسئلةٌ يُلْقيها الشَّيطانُ؛ لِيُشكِّكَ المؤمِنَ في عقيدتِه ودِينِه
فإذا قال النَّاسُ ذَلِكَ فمَوقِفُ المؤمنِ أنْ يَعودَ إلى اللهِ، فيَقولَ: {اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4]، وفي هذا إفرادُ اللهِ عزَّ وجلَّ بالوحدانيَّةِ, وأنَّه غيرُ مَخلوقٍ، وأنَّه لا يُوصَفُ بصِفاتِ الخَلْقِ بأنَّه مولودٌ، أو له زَوْجةٌ أو وَلَدٌ، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ الظَّالِمونَ عُلوًّا كبيرًا، "ثُمَّ ليَتْفُلْ عن يَسارِه ثلاثًا"، أي: يَبْصُقْ على اليُسْرى مِنْه ثلاثَ مرَّاتٍ إرغامًا للشَّيطانِ وتحقيرًا لَه، "وليَسْتَعِذْ مِن الشَّيطانِ"، أي: لِيَعُذْ باللهِ ممَّا أَلْقى الشَّيطانُ في قلوبِ النَّاسِ، أو في نَفْسِه
وفي الحديثِ: بيانُ احْتِماليَّةِ وُرودِ شَكِّ العَقْلِ في العَقيدةِ، ولكِنَّ المؤمِنَ يَرْجِعُ إلى إيمانِه
وفيه: أنَّ الشَّيطانَ يَحومُ حولَ قلوبِ المؤمِنينَ؛ ليُلْقِيَ فيها الشَّكَّ، وأنَّ على المؤمِنِ اللُّجوءَ إلى اللهِ تعالى والأخْذَ بالأسبابِ التي تَدفَعُ ذلك