باب فى بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة
حدثنا عبد الله بن مسلمة وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة رضى الله عنها أخبرته أن بريرة جاءت عائشة تستعينها فى كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ارجعى إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لى فعلت. فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك. فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « ابتاعى فأعتقى فإنما الولاء لمن أعتق ». ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال « ما بال أناس يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله من اشترط شرطا ليس فى كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة شرط الله أحق وأوثق ».
الدين الإسلامي الحنيف قائم على الاستسلام لأوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك سعادة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام"، وهذا إنكار على أصحاب هذا الفعل الذي سيأتي، فلم يذكرهم بأسمائهم ولم يحرجهم؛ سترا عليهم وتأليفا لهم، فيعلمون مقصده صلى الله عليه وسلم، ويمتثلون لأمره، ولأن المقصود يحصل لهم ولغيرهم بدون فضيحة وشناعة عليهم، "يشترطون شروطا ليست في كتاب الله"، أي: لا توافق شرع الله تعالى وحكمه من كتاب أو سنة، فيبتدعون أشياء بزيادة أو نقصان غير ثابتة، وقوله: "في كتاب الله"، أي: حكم الله الشرعي، فيشمل الكتاب والسنة؛ لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7]
ثم أكد النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بعدة مؤكدات؛ فقال: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"، أي: مردود على صاحبه، ولا يحكم له به إن كان في عقد من العقود، "وإن كان مئة شرط"، وهذا العدد للمبالغة والتأكيد لا التعيين والتحديد، "كتاب الله أحق" يقدم على غيره من الشروط التي تعارضه، "وشرط الله أوثق"، أي: أثبت وأقوى وأحكم؛ قال تعالى: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50]
وسبب ورود هذا الحديث -كما في الصحيحين- أن عائشة رضي الله عنها قالت: "أتتها بريرة تسألها في كتابتها"، أي: تطلب مساعدتها على قضاء ثمنها لأصحابها؛ حتى تعتق وتصير حرة، فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرته ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابتاعيها، فأعتقيها؛ فإنما الولاء لمن أعتق"، أي: إن الولاء للمعتق؛ فهو أحق بميراث من أعتقه بعد موته"
وفي الحديث: صحة الشروط في العقود التي لا تخالف الشرع
وفيه: أن الله تعالى أحسن وخير الحاكمين
وفيه: حسن خلق النبي وجميل أدبه صلى الله عليه وسلم
وفيه: حسن عشرة الإمام مع رعيته
وفيه: خطبة الإمام عند وقوع خطأ، وتبيينه للناس حكم ذلك، وإنكاره عليهم