باب فيما أنكرت الجهمية 6

سنن ابن ماجه

باب فيما أنكرت الجهمية 6

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري
عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوموبين أن ينظروا إلى ربهم سبحانه وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" (1).

أعدَّ اللهُ تعالى لِعبادِه المؤمنينَ في الجنَّةِ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خطَرَ على قلْبِ بَشَرٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صورةٍ مِنْ صُوَرِ نَعيمِ أهلِ الجنَّةِ، وهيَ أنَّ لِلمؤمنِ في الجنَّةِ خَيمةً مِن لُؤلؤةٍ مُجوَّفَةٍ، أي: ما بداخلِها مَثْقوبٌ مُفرَّغٌ، وهي واسعةُ الجَوفِ، عرْضُها سِتُّون مِيلًا، وهذا بيانٌ لكِبَرِ وعِظَمِ مساحتِها، والخَيمةُ بيتٌ مُرَبَّعٌ من بيوتِ الأعرابِ، وفي كلِّ ناحيةٍ منها أهلٌ لِلمؤمنِ السَّاكنِ فيها، لا يَراهمُ مَن في النَّاحيةِ الأُخرى؛ لِعِظَمِ سَعتِها، وللمؤمنِ فيها أيضًا جَنَّتانِ، كُلُّ ما فيها مِن آنيةٍ وغيرِها مِنَ الفضَّةِ، وأيضًا جَنَّتانِ كُلُّ ما فيها مِن آنيةٍ وغيرِها مِنَ ذَهَبٍ، كما جاء مُصَرَّحًا به في روايةِ الصَّحيحَينِ.
وأخبَرَ أنَّه ليس بيْن القومِ مِن أهلِ الجنَّةِ وبيْن أنْ يَنظُروا إلى ربِّهم، إلَّا رِداءُ الكِبْرِ على وَجهِه تعالَى في جَنَّةِ عدْنٍ، وهو أعظمُ نَعيمِ أهلِ الجنَّةِ عندما يَكشِفُ الرَّحمنُ لهم عن وجْهِه، فيَتمتَّعونَ بِلذَّةِ النَّظرِ إلى وجْهِهِ الكريمِ، وصِفةُ الكبرياءِ مِن لوازمِ ذاتِه تعالى.
وفي الحَديثِ: أنَّ الجَنَّةَ مَخلوقةٌ.
وفيه: دليلٌ على عِظَمِ وسَعةِ الجَنَّةِ.
وفيه: إثباتُ تفاوُتِ الجنَّةِ فيما بَيْنَ درجاتِها.
وفيه: إثباتُ رؤيةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ في الجنَّةِ.
وفيه: إثباتُ الوَجهِ لله عزَّ وجَلَّ، دون نَقصٍ أو تجسيمٍ، ودونَ تكييفٍ؛ فلا يماثِلُ أوجُهَ المخلوقين في شيءٍ، ووَجْهُه سبحانه وتعالى موصوفٌ بالبهاءِ والعَظَمةِ والنُّورِ العظيمِ.