باب في ثقيف وبني حنيفة3
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا أحمد بن خالد الحمصي قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أهدى رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة من إبله التي كانوا أصابوا بالغابة فعوضه منها بعض العوض فتسخط، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: «إن رجالا من العرب يهدي أحدهم الهدية فأعوضه منها بقدر ما عندي ثم يتسخطه فيظل يتسخط فيه علي، وايم الله لا أقبل بعد مقامي هذا من رجل من العرب هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي» وهذا أصح من حديث يزيد بن هارون
كان بعضُ العرَبِ يَمتازُ بعضُهم عن بَعضٍ بالكرَمِ والسَّخاءِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَقبَلُ مِنهم هَداياهم له ويُكافِئُهم عليها بأفضلَ مِنها وبما يَستطيعُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما يقولُ أبو هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه في هذا الحَديثِ: "أَهْدى رَجُلٌ مِن بَني فَزارةَ"، وفي رِوايةٍ: "أنَّ أعرابيًّا أهدى"، "إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ناقةً مِن إبِلِه الَّتي كانوا أصابوا"، أي: حصَلوا عليها، "بالغابةِ"، والغابةُ: مَوضعٌ قَريبٌ مِن المدينةِ ناحيةَ الشَّمالِ، وصُنِع مِن شجَرِه مِنبَرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فعوَّضه مِنها بَعضَ العِوَضِ".
وفي رِوايةٍ: "فعَوَّضه مِنها سِتَّ بَكَراتٍ"، وفي رِواياتٍ بأكثرَ مِن ذلك، "فتسَخَّطها"، أي: لم يُعجِبْه ما أعطاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم واستَقلَّه؛ وذلك أنَّ الرَّجُلَ كان طمَعُه في الجزاءِ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بأكثَرَ مِن ذلك؛ لِمَا سَمِع عن جُودِه وكرَمِه، "فسَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على المنبَرِ"، أي: يَخطُبُ في النَّاسِ، "يقولُ: إنَّ رِجالًا مِن العرَبِ يُهْدي أحَدُهم الهديَّةَ"، أي: يُعطيني هَديَّةً، "فأُعوِّضُه منها"، أي: مِن تلك الهديَّةِ، "بقَدْرِ ما عِندي"، أي: بقَدْرِ ما أستطيعُ وممَّا هو متوفِّرٌ عِندي، "ثمَّ يتَسخَّطُه"، أي: يَستقِلُّه ويُغضِبُه، ولا يُعجِبُه القدرُ الَّذي يُعوَّضُ به؛ "فيظَلَّ يَتسَخَّطُ فيه علَيَّ"، أي: ويَبْقى على غَضَبِه هذا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وايمُ اللهِ"، أي: يُقْسِمُ باللهِ عزَّ وجلَّ، "لا أقبَلُ بعدَ مَقامي هذا مِن رجُلٍ مِن العرَبِ هديَّةً، إلَّا مِن قُرَشيٍّ"، وفي روايةٍ: "مهاجِرًا قُرشيًّا"، "أو أنصاريٍّ أو ثقَفيٍّ أو دَوسيٍّ"، أي: إلَّا مِن قومٍ في طَبائعِهم الكرَمُ لا يَقصِدون ويطمَعون بهداياهم أن يُعوَّضوا بمِثلِها أو بأفضلَ منها، ودَوْسُ: عَشيرةٌ مِن عَشائرِ الأزدِ مِن أهلِ اليمنِ، ومِنهم أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه.