باب: في رفع الإزر إلى أنصاف الساقين
بطاقات دعوية
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إزاري استرخاء فقال يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم إلى أين فقال أنصاف الساقين. (م 6/ 148
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ أصحابَه ويُرشِدُهم إلى ما فيه الخيرُ، ويُعلِّمُهم مِن أُمورَ دِينِهم ودُنياهم.
وفي هذا الحديثُ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه مرَّ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفي إزارِه، وهو الثَّوبُ الَّذي يُغطَّى به الجزءُ السُّفليُّ مِن الجَسدِ «استِرخاءٌ»، أي: واصلٌ أو قَريبٌ إلى الأرضِ، ولعلَّه يَصِلُ به إلى ما بعْدَ الكَعبينِ، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا عبدَ اللهِ، ارفَعْ إزارَك» فرَفَعَه عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه، ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «زِدْ» في الرَّفعِ؛ لِكونِه أطيبَ وأطهَرَ، فزادَ عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه، فسَكَتَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ هذا الحدِّ الَّذي رَفَعَ فيه عبدُ اللهِ ثَوْبَه، وهذا كنايةٌ عن إقرارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له، وما زال عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه يَتحرَّى ويَقصِدُ رفْعَ الإزارِ منذُ أمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألَه بعضُ القومِ ممَّن يُجالِسونه ويَسْمَعون حَديثَه عن حَدِّ الرَّفعِ الَّذي أقَرَّه عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأجابَهم عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه: أَنصافِ السَّاقينِ، وذلك بُعدًا عن التَّكبُّرِ والخُيَلاءِ؛ حيثُ كانوا في الجاهليَّةِ يَجُرُّون الثِّيابَ خَلْفَهم فَخرًا وخُيَلاءَ، وقيل: أكثَرُ بُعدًا عن الأرضِ اتِّقاءً لِمَا فيها مِن الأذَى والدَّنَسِ.
وفي الحديثِ: مَزيدُ اعتناءِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما بالسُّنَّةِ، ومُلازمتِه لِلاتِّباعِ.
وفيه: الأمْرُ برفْعِ الإزارِ والنَّهي عن ترْكِه مُستَرْخيًا.
وفيه: بَيانُ تَتبُّعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومُراعاتِه لأحوالِ أصحابِه ليُعلِّمَهم.