باب قول الله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول} 2
مختصر صحيح البخاري
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما أعطيكم، ولا أمنعكم، أنا قاسم، أضع حيث أمرت".
يَربِطُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُلوبَ أصحابِهِ دائمًا باللهِ في كلِّ حَرَكاتِهمْ وسَكناتِهمْ، ويُبيِّنُ لهمْ أنَّه لا يَفعَلُ شَيئًا إلَّا بأمْرِ اللهِ، ومِن ذلك أنَّه بيَّن لهم أنَّ اللهَ سُبحانه هو الذي شَرَعَ كَيفيَّةَ تَقسيمِ الأموالِ مِن الغنائمِ والفَيءِ وغيرِها، وبيَّن مَصارفَها،
فكان يَقولُ لهم عِندما يَقسِمَ عَليهِم الأَموالَ: «ما أُعْطيكُمْ ولا أَمنعُكمْ»، فلا أُعطِي أحدًا منكم شَيئًا تَميلُ نَفْسي إليه، ولا أمْنَعُه لعَدَمِ إقبالِ قَلْبي عليه، بلْ كلُّ ذلك لأمرِ اللهِ تعالَى؛ فاللهُ هوَ المُعطي والمانعُ على الحَقيقةِ، وأنا أُعطيكُمْ بحَسبِ ما يُيسِّرُ اللهُ لي وبِحسبِ ما شَرَعَ، وقولُه: «إنَّما أنا قاسمٌ»، أي: أُقسِمُ بيْنَكمْ بأمرِ اللهِ، وأضَعُ كلَّ شَيءٍ مِن المنْعِ والعَطاءِ حيثُ أُمِرتُ، فلا أُعطي أحدًا ولا أمنَعُ أحدًا، إلَّا بإذنٍ مِن اللهِ، فمَنْ أَعطيتُهُ قليلًا فهذا بقَدَرِ اللهِ، ومَن أعْطيتُهُ كثيرًا فهذا أيضًا بقدَرِ اللهِ.
وفي ذلك إثباتٌ للقَضاءِ والقدَرِ والإيمانِ بذلك، وأنَّه لا مانعَ لِما أعْطى اللهُ، ولا مُعطِيَ لِما مَنَعَ اللهُ، وأنَّ العِبادَ يَتصرَّفون في المالِ بحقٍّ وبغيرِ حقٍّ بإرادتِهِم ومَشيئتِهم، وحُصولُ قِسمتِه بيْن النَّاسِ كما قَسَمَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو ممَّا قَضاهُ اللهُ كَونًا وقَدَرًا، وأمَرَ به شَرْعًا ودِينًا.
وفي الحديثِ: التَّنبيهُ لكلِّ قاسمٍ بعْدَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يكونَ على مِثلِ حالِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بحيثُ يَقسِمُ بأمْرِ اللهِ تعالَى، لا بالهوَى أو لأغراضٍ أُخرَى.
وفيه: أنَّ الأرزاقَ والأموالَ إنَّما هي أمانةٌ مِن اللهِ تعالَى عندَ النَّاسِ.